رئيس التحرير
عصام كامل

عروس الجنوب.. سناء!

ويغني الملك محمد منير لها من شعر المبدع الكبير جمال بخيت :
"الدم على الأرض خريطة
مشتاقة ليوم الحرية..
أشلائك بتلم جراحي..
يرتعش الغدر وترتاحي
ويعود الحلم المسلوب"

لكن.. نبدأ القصة من أولها.. فيوما ما أمسكت بورقة جريدة.. كانت بها رسالة والدة الشهيد وجدي الصايغ ردا على رسالته قبل عمليته الاستشهادية.. تقرأ أصعب سطور الرسالة وهي: "وجدي.. يا قرة عيني ويا مهجة فؤادي آلمني فراقك وأحزنني غيابك حتى بت أشعر أن هذه الدنيا فارغة لأن زين الشباب غادرها إلى الحياة الثانية إلى دنيا الأزل إلى دنيا الأبد إلى دار الحقيقة الخالدة.. ولن يرتاح قلبي إلا إذا جمعنا اللقاء واطمأننت عليك"!

 

إنقاذ لبنان وحساب لتبرعات أحرار العرب والعالم!
كان وجدي الصايغ أحد شباب الجناح العسكري للحزب القومي السوري الاجتماعي الذي يؤمن بسوريا الكبرى.. والذي قرر القيام بعمل كبير ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي التي غزت جنوب لبنان عام 1982.. فاستقل سيارته المرسيدس وعليها مائة كيلوجرام من مادة "تي ان تي" الرهيبة.. وفي الطريق إلي قرية كفر حونة اقتحم بالفعل كمين لجيش الاحتلال وأصاب وقتل ثلاثين جنديا إسرائيليا ودمر مدرعات وناقلة جنود وغيرها !

كانت العملية جريئة وجديدة لكنها تركت صدى غير مسبوق وقتها وأطلق علي الصايغ لقب "فتى الجبل"!

كانت دموعها وهي تقرأ رسالة وجدي للبنانيين وتنهمر بغزارة عندما تقرأ السطور السابقة من رد الأم على رسالة ابنها الشهيد لكنها قررت أن تثأر لوجدي نفسه ولأمه ولكل لبنان ولكل العرب.. وهكذا أبلغت بعض صديقاتها !

كانت أن اختفت ما يقرب من عشرين يوما بعد أن أبلغت أسرتها ذهابها إلي أحد محلات التجميل.. تداول الجيران إنها تزوجت إلا أن أسرتها أيقنت إنها في طريقها لعمل فدائي وترقبت الأنباء !
لبنان ودفاتر فرنسا القديمة!
وبعد أقل من شهر على عملية "فتى الجبل" كانت تستقل سيارة بيضاء ماركة بيجو 504 عند الحادية عشرة صباحا في منطقة باتر ـ جزين بجنوب لبنان.. لم تكن وقتها السيارات المفخخة ولا العمليات الاستشهادية يعرفها أحد.. فسألها الضابط الإسرائيلي عند الحاجز عن وجهتها فأبلغته.. لكنها بعد عبورها سارت خلف سيارات لجيش العدو الاسرائيلي ولفت ذلك نظر أحد ضباط بالسيارة فتوقف ليسألها لكنها انطلقت بسرعة خلف السيارة التي تحمل أكبر عدد من الجنود واصطدمت بها بالقرب من أحد الأكمنة الإسرائيلية لتستهدف أكبر عدد منهم.. وبسرعة كبيرة اندفعت نحو الجميع بسارتها وعليها مائتا كيلوجرام من "تي إن تي" رهيبة الانفجار وتحول المكان إلى جحيم!


إسرائيل قالت إن القتلى ضابطان وجنديان لكن المكان أوحي لوكالات الأنباء بتتبع الأمر وقالوا إن القتلى أكبر من ذلك بكثير لكنها عادة إسرائيل في إحباط أعدائها!
تحولت إلى رمز.. وعرف العالم اسم سناء المحيدلي.. ابنة الـ 16 ربيعا.. وأسموها "عروس الجنوب" وأطلق اسمها على عشرات الشوارع والمدارس بلبنان ودول أخرى عديدة..

 اعتراف اسرائيلي خطير !

والخلاصة أن شعبنا في لبنان لا يعرف الركوع.. لا لماكرون ولا لغيره.. كانت هي امتدادا لوجدي الصايغ.. ووجدي كان امتدادا لعبد الله الجيزي وفؤاد صالح والشيخ راغب حرب ونضال الحسنية وحسن درويش وبلال فحص ونزيه قبرصلي وغيرهم.. وهي تلاها طابور طويل من الشهداء والأبطال.. كانت هي عروسهم.. ويكمل لها "بخيت" ويغني "منير :"
" ياضى عيون الشهداء
يازهرة صيدا وسيناء
ثانية من عمرك تحينى
ابنى واتبسم واشـــاء
كلمة من سيرتك تهدينى

للأقصى يعود الإسراء"

 

وليبدأ أغنيته ب :
"اتحدى لياليك ياهروب
واتوضى بصهدك ياجنوب
واصلى الفرض لحطينى
واكتبلك عمرى المكتوب"
الوطن غال.. ودماء الشهداء طاهرة زكية أرواحهم بيننا وسيرتهم خالدة مخلدة !


الجريدة الرسمية