رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع مبارك "الجزء 2"


الذهاب إلى مبنى الأمن الوطنى أمر عسير للغاية، فقط اطلب من سائق التاكسى أن يذهب إلى هناك سيرفض على الفور، حتى بعد قيام الثورة مازال الناس تتوجس من ضباط هذا الجهاز بالرغم من أن محدثى فى مكالمة الأمس كان دمث الخلق جدا، حتى أنه لم يعطنى فرصة للتحدث. 
وصلت مبنى الجهاز وأنا اتصبب عرقا وبعدما اشترط سائق التاكسى أن نتوقف فى شارع بعيد قبل مبنى الجهاز، سرت بقية المسافة على قدمى ودخلت من باب صغير، استقبلنى شخص فى ملابس مدنية وطلب هاتفى المحمول بعد أن أغلقه، ثم آخر طلب منى أن أملأ بياناتى فى ورقة معدة لذلك، أخذوا بطاقتى الشخصية، ثم ادخلونى الاستراحة. 
بعد دقائق كنت أسير فى إحدى الردهات مع أحد الأشخاص لنصل إلى غرفة صغيرة بها ضابط فى ملابس مدنية رحب بى وسألنى عن نوع قهوتى وأشعلنا السجائر ودخلنا فى الجد 
" عاوز تقابل مبارك ليه " 
" المسأله مرتبطة بالتاريخ والتوثيق " 
بدأت أشرح للضابط هدفى المحدد وهو أن الرئيس السابق لابد وأن يجد من يكتب له مذكراته أو على الأقل يسجل صوته حتى تكون وثيقة للتاريخ تخضع للشرح والتحليل والتفنيد وهكذا، قال الضابط ببساطة 
" وافرض بيكذب فى كل كلامه " 
قلت ببساطة إن المذكرات الشخصية لها طابع شخصى أى أن كاتبها يفرض نوعا من البطولة على نفسه والحكمة أيضا، ودور المؤرخ أن يفند، أما دورى أنا ككاتب فهو أن أنقل للناس ما يقوله صاحب المذكرات 
" وليه مبارك بالذات ؟... عندك أكتر من حد كان حزب وطنى وكان قريب من مبارك ويقدر يحكيلك على بلاوي.. وفى ناس منهم برا السجون " 
" ومين اللى قال لسيادتك إنى ما اتكلمتش معاهم " 
كنت بالفعل قد قابلت عددا من رموز الحزب الوطنى فى مناسبات متعددة وتحدثت معهم بأن من الضرورى كتابة مذكراتهم بشكل محايد حتى يعرف الشباب كل وجهات النظر، نظر إلى الضابط قليلا ثم ابتسم وهو يعطينى سيجارة من علبته 
" لو قدرت تعمل دا هتساهم فى خدمة كبيرة قوى لبلدك " 
امتد الحوار لدقائق أخرى ونحن نتحدث عن الثورة وملابساتها وأسبابها وغيره، كنت اعلم أن الرجل يسبر أغوارى بطريقة ناعمة، فى نهاية اللقاء قال ببساطة 
" نسيت أقولك.. الموافقة جت أنك تقابل مبارك.. نص ساعة بس كل 3 أيام " 
قلت بخبث 
" وياترى الموافقة جت من مبارك ولا جهات تانية " 
ضحك 
" أنت ليك أكل ولا بحلقة" 
ثم اعطانى ورقة وقال 
"دا تصريح الزيارة "
الخروج من مبنى الأمن القومى وإيقاف تاكسى أسهل بكثير من الذهاب إليه فيكفى أن تشير إلى سيارة تاكسى ستجدها وقفت على الفور، فالخارج من الجهاز إما ضابط به أو متعامل معه، وفى ميعاد الزيارة كنت أطرق باب غرفة مبارك، وأتانى صوته الذى أحفظ نبرته جيدا من الداخل:
" ادخل يا أحمد " 


الجريدة الرسمية