حرب الـ4 جهات.. مؤامرة السد.. مصر تلتزم بأعلى درجات ضبط النفس.. وإثيوبيا تواصل الاستفزاز.. وواشنطن تدخل على خط الأزمة
تحديات جسيمة ومتزامنة تمر بها القاهرة، ربما لم تمر بها من قبل في العصر الحديث على الأقل.
إرهاب في الداخل تغذيه عناصر الإسلام السياسي وجماعة الإخوان والأطراف الداعمة لها والتي لا تريد الخير لمصر، وحرب محتملة على الحدود الغربية؛ بسبب أطماع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في البترول الليبى وتهديده للأمن القومى المصرى، وأطماع تركية أخرى في الغاز المصرى بسواحل البحر المتوسط. أما المعركة الأصعب فتتجسد في سد النهضة بما يمثله من تهديد كبير للأمن القومى المائى للبلاد.
حرب الجبهات الـ4
اللافت أن تلك التحديات تأتى في توقيتات متزامنة، ما يجعل التعامل معها أكثر صعوبة، فتبدو وكأنها مقصودة أو جزء من مؤامرة كبرى تستهدف أم الدنيا التي كانت ولا تزال هدفًا لقوى الشر.
ما يؤكد فكرة المؤامرة ويدعمها فيما يتعلق بسد النهضة مثلًا، ما تنبأ به فيلسوف الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان الذي رحل عن عالمنا قبل 27 عامًا: "كانت مصر سيدة النيل، بل مالكة النيل الوحيدة- الآن فقط انتهى هذا إلى الأبد، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص والمستقبل أسود"! وهو السيناريو الذي يحدث الآن، وكأن أمرًا كان يُدبر من سنين لتعطيش مصر، ولكن أحدًا لم ينتبه ولم يستعد لأطماع الثعلب الأثيوبى الذي ما كان ليراوغ ويمكر لولا أنه يلقى الدعم المباشر وغير المباشر من أطراف وتحالفات تعبث بالمقدرات المائية للمصريين.
لذا جاء تحذير "حمدان" الذي لم ينتبه إليه أحد:"إن مصر إذا لم تتحرك لكي تكون "قوة عظمى تسود المنطقة بأثرها، فسوف يتداعى عليها الجميع يوما ما كالقصعة، أعداء وأشقاء وأصدقاء أقربين وأبعدين"، وهو ما يحدث الآن أيضًا، فصديق اليوم قد يكون حليف عدوك في الوقت ذاته، والمصالح في السياسة تتصالح ولا موضع لمبدأ أو خلق قويم!
أمام كل هذه المتغيرات، بدءا من إرهاب لا يريد أن يتوقف، وزحف تركى مجنون داخل الأراضى الليبية وطمع غير محدودة في غاز مصر داخل سواحل البحر المتوسط، ومفاوضات لا تؤدى إلى شئ في ملف سد النهضة، فإنه مما لا شك فيه أننا بصدد مشروع شرير وممنهج لاستدراج القاهرة إلى صراعات مدمرة تستنزف قدراتها وتعطل الجهود المتسارعة للإصلاح الشامل التي يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسي.
الخيار المُر
أعداء مصر يريدون استنزاف جيشها صاحب المركز الأول في الشرق الأول واقتصادها على 4 جبهات إقليمية على الأقل في آن واحد؛ حتى يدفع فاتورة استنزاف من مال وسلاح ودماء، بحيث تصبح أولوية البلاد ليست الإصلاح الشامل وتصحيح أوضاع خاطئة دامت عقودًا، ولكن المواجهة الشاملة.
لا يروق لأعداء ثورة 30 يونيو 2013 أن تمضى مصر في طريقها قدمًا في مسيرة البناء والتنمية وكسر شأفة الإرهاب وتجفيف ينابيعه، فلا يزالون ينفخون في نيرانه؛ ولكنهم كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله، وأطفأها المصريون الذين استوعبوا ما يحبط ببلادهم من مخططات آثمة وغاشمة.
يرفض الرئيس السيسي – رغم تعاظم المؤامرة ووضوح اهدافها لكل ذى عينين- ابتلاع الطعم الذي يتقاذفه خصوم مصر إقليميًا ودوليًا، ويتعامل مع كل المستجدات بهدوء شديد، ويؤكد في غير مرة أن جيش مصر رغم جاهزيته وقوته هو جيش رشيد يدافع ولا يعتدى على أحد. مصر لم تعد تملك عدوًا تاريخيًا واحدًا وهو إسرائيل، بل انضم إلى قائمة الأعداء أطراف أخرى لا تخفى كراهيتها مثل: تركيا وقطر بشكل أساسى، كما أن الإخوان وجماعات الإسلام السياسي يتصدرون قائمة الأعداء ولن يغادروها، وانضمت لهم إثيوبيا التي تقود المخطط الأسوأ والأسود ضد مصر وضد اقتصادها الذي يتعاظم يومًا وراء يوم بشهادة المؤسسات الاقتصادية الدولية.
وعبر صفحات هذا الملف.. تناقش "فيتو" كل هذه التحديات التي تحاصر القاهرة وسبل تجاوزها وكل السيناريوهات المحتملة خلال المستقبل القريب..
سد النهضة
يوما بعد يوم تزداد الأزمة الخاصة بـ «سد النهضة» تعقيدًا، وخاصة مع إعلان إثيوبيا الانتهاء من المرحلة الأولى لملء السد بشكل منفرد دون الرجوع لدولتي المصب، تزامنًا مع وجود تحركات دبلوماسية من قبل أطراف الأزمة الثلاث « مصر والسودان وإثيوبيا» والتي يدعو بعضها للتهدئة والحل السلمي والدبلوماسي مثل الجانب المصري، وبعضها يدعو للتصعيد ويرفض الحلول السياسية ويتمسك بمواقفه المتعنتة مثل الجانب الإثيوبي.
الذي لم تثر خطواته الأحادية بشأن إنجاز المرحلة الأولى من ملء السد خلال القمة الأفريقية المصغرة غضبًا في الجانب المصري فقط بل وصلت إلى حد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي شاركت في مرحلة المفاوضات بهدف العمل على تقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا والوصول لحل يعمل على إرضاء جميع الأطراف، حيث أعلن مسئولون أمريكان ومساعدون في الكونجرس، دون الكشف عن هويتهم إن إدارة ترامب تدرس حجب بعض المساعدات عن إثيوبيا بشأن سد النهضة، الذي تخشى مصر من أن يهدد أمنها المائي.
وسيحجب جزءا كبيرا من حصتها البالغة 56 مليار متر مكعب سنويًا، وتأثير ذلك على سكانها وأراضيها الزراعية، حسبما أفادت "فورين بوليسي" الأمريكية.
المؤامرة
"سد النهضة".. ما هو إلا مؤامرة تسعي إثيوبيا من وراء انشائه لإلغاء دور السد العالي تمامًا، والتحكم في كميات المياه التي تتدفق لدولتي المصب مصر والسودان وتسعير المياه، وتحويل ذلك السد ليكون أول بنك للمياه في العالم، يتم من خلاله التعامل مع المياه كسلعة تباع وتشترى شأنها شأن الثروات النفطية.
لكن تلك الأحلام والأماني التي ترغب إثيوبيا في تحقيقها قابلها العديد من المفاوضات التي استمرت لنحو 9 سنوات، تعمدت خلالها إثيوبيا تزييف الحقائق وإطلاق تصريحات مُغلّفة بطابع الكذب والتخبط، ماضية قدمًا في تبني سياسات التلاعب والمُماطلة وفرض الأمر الواقع بهدف كسب الوقت لإنجاز ملء خزان "سد النهضة "
أسباب الخلاف
نقطة الخلاف الأبرز بينها وبين دولتي المصب مصر والسودان تلك التلاعبات من قبل الجانب الإثيوبي حول قضية "سد النهضة" أثارت ما أشبه بانقسامات عالمية ما بين مؤيد لمصر مثل قبرص واليونان وفرنسا وخصم لها كإيطاليا وبريطانيا.. ومنها من يقف بشكل محايد للحفاظ على موضعه الآمن كألمانيا.
حسين خضر نائب رئيس الأمانة الفيدرالية للاندماج والهجرة والتنوع بالحزب الاشتراكي الديمقراطي بألمانيا، يري من جانبه أن هذه الظاهرة ليست بالصحيحة لأن مثل هذه الأمور والنزاعات في النهاية يتم حلها بالقانون وليس بالمواقف.
مشيرًا إلى أن مزاعم إثيوبيا حول ما تفعله من بناء سد النهضة واحتجاز المياه هو من أمور السيادة المطلقة على منبع النيل الأزرق، لأنه ينبع في أراضيها غير صحيح، فهي لا تمتلك أي سند قانوني، وأنها واهية لأنه من الثابت والمتعارف عليه أن اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار الدولية لعام 1997.
وما خلص إليه الفقه الدولي وأحكام القضاء الدولي هو أن النهر الدولي ملكية مشتركة لدوله -المتشاطئة عليه- ولا يجوز لأي منها التذرع بمبدأ السيادة الإقليمية، وأن هذه الدول عليها التزامات مباشرة تتمثل في حماية هذا المورد المشترك.
إضافة إلى أن تلك الدول ملتزمة أيضا بتنمية موارده المائية، وصولا للاستخدام المنصف والمعقول، وبالتالي فإن الدفع الإثيوبي، بأنها تملك حقوقا سيادية يخالف قواعد القانون الدولي وهذا واضح للجميع، ولا يحق لأي دولة أن تنقسم بين مؤيد ومعارض.
مواجهة أثيوبيا
وحول قدرة مصر على حشد موقف عالمي موحد معها ضد إثيوبي، أوضح اللواء محمد عبدالواحد الخبير الإستراتيجي للشئون الأفريقية والأمن القومي، أن مصر تأخرت في تلك الخطوة منذ البداية حيث كان ينبغي عليها البحث عن موقف دولي منذ عام 2011، موقف يتبع القوانين والأعراف الدولية التي تؤكد على عدم شرعية تلك السد.. موقف يوضح حجم المخاطر والأضرار التي يمكن أن يشهدها العالم أجمع وليست مصر فقط.
خاصة أن هناك العديد من دول العالم لديها نفس مشكلة السد، وبالتالي حال نجاح إثيوبيا في خطوتها الأحادية الجانب دون التوصل إلى اتفاق ستعمل على احتجاز وتسعير وبيع المياه، ومن ثم ستبدأ أغلب الدول في السير على نهجها، فمثلا ستقوم فرنسا من جانبها بإيقاف امداد سويسرا بالمياه والعمل على تسعيرها وبيعها هي الأخري ومن هنا تبدأ مرحلة الشح المائي التي يمكنها أن تنذر بحروب ضخمة.
لذا فمن المتاح لمصر حتى الآن حشد موقف عالمي موحد معها ضد إثيوبيا تجنبًا للحروب المستقبلية.
المنظمات الدولية
وأشار الخبير الإستراتيجي للشئون الأفريقية والأمن القومي أنه على الرغم من استعانة مصر بمجلس الأمن للضغط على إثيوبيا للاستمرار في المفاوضات والتوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف لما تتعامل كافة الأعضاء بجدية فمثلًا الصين تهاونت في موقفها وكذلك مالي التي من جانبها نظرت لمستقبلها حال نجحت إثيوبيا في مخططها وإمكانية سيرها على تلك النهج وبيع مياهها هي الأخر.
لافتًا إلى أن تلك النظرات هي ما يمكنها أن تؤدي إلى انقسامات واختلاف وجهات النظر والتحول إلى مؤيد وخصم للمفاوضات المصرية.
وتابع اللواء محمد عبدالواحد، أن إثيوبيا تكن بداخلها عداوة قديمة لمصر وأن حلم بناء السد يسيطر عليها منذ 800 عام – فترة الحروب الصليبة- وأن رغبتهم وحلمهم الدائم هو التحكم في مصر عبر مياهها والتهديد بقطع المياه حال عدم استجابة مصر لأي من مطالبها.
مشيرًا إلى أنه دخول مصر حروب مع الحبشيين خلال فترة حكم الخديو إسماعيل كانت تلك النوايا السيئة لا تزال تسيطر على إثيوبيا، وعندما شعرت مصر بذلك وقعت اتفاقية مع أديس أبابا تنص على عدم اقترابها من مياه النيل الأزرق، لكن بعد انتهاء تلك الفترة رفضت إثيوبيا الاعتراف بتلك الاتفاقية زاعمه أنها تم التوقيع عليها خلال فترة الاستعمار رغم أنها لم تكن مستعمرة هي الأخرى.
لكن الحقيقة هي أن مياه النيل كانت وستظل مطمعا ومسرحا للتدخلات الدولية، المباشرة تارة وغير المباشر تارة أخرى، رغم أن مصر بذلت جهودا كبيرة على مر التاريخ لتأمين وصول مياه النيل إلى أراضيها لإدراكها أنه يمثل شريان الحياة لمصر وللمصريين.
كما أنها قدمت على مدى سنوات طويلة خاصة خلال الحملات التي بدأت منذ عهد محمد على وصولا إلى عهد الخديو إسماعيل الآلاف من ابنائها الذين خرجوا في حملات متتالية لتأمين منابع النيل والتصدى لتهديدات إثيوبيا "الحبشة" المستمرة.
وأوضح اللواء محمد عبدالواحد، ما يؤكد أن إثيوبيا لا تحتاج لتلك المياه وأن كل ما تفعله بهدف إعلاء موقفها وتغيير وضعها الإستراتيجي ورغبتها في امتلاك قرار سياسي وفرض سيطرتها هو أن ما يحتاجه النيل الأزرق 50 مليار متر مكعب فقط وهو ما يعادل 5% من مياه إثيوبيا التي تشهد أمطار تصل إلى 1000 مليار متر مكعب في العام الواحد، إضافة إلى امتلاكها نسبة ضخمة من مياه الأنهار.
أساليب التلاعب
وألمح الخبير الإستراتيجي محمد عبدالواحد، إلى أن إثيوبيا تعمل على مواصلة أسلوب التلاعب الذي اتبعته طوال الفترة الماضية حتى انتهت من بدء المرحلة الأولى من السد للانتهاء من ملء السد بشكل نهائي وكامل، وإعلاء موقفها التفاوضي وإجبار مصر للخضوع لأي قرار يصدر من جانبها، فهي تنظر للمفاوضات بأنها غير مجدية وغير هامة ولا يجب عليها إضاعة الوقت في السماع لها.
أما عن ألمانيا وموقفها المحايد تجاه القضايا الدولية، أكد اللواء محمد عبد الواحد أن ألمانيا لا تتخذ الا القرارات التي تتفق مع مصالحها أولا طبقًا للتنسيقات الدولية والاتحاد الأوروبي، نظرًا لأن الموثق الألماني لديه جالية تركية ضخمة على أراضيه وخوفها الدائم من فكرة الهجرة، وهو ما شاهدنه في تعاملها مع الأزمة الليبية التركية.
ففي حال سيطرة تركيا على ليبيا ستزداد عملية الهجرة وبالتالي سيزداد الضغط على دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم ألمانيا لذلك فهي تهتم بالتسوية الليبية، وفي خطاب مصر لمجلس الأمن بشأن سد النهضة والمطالبة باستمرار المفاوضات وعدم اتخاذ موقف أحادي الجانب، لم تضع ألمانيا موقف معين لكنها كانت مع عملية التسوية والرجوع للمفاوضات مرة أخرى، وذلك نظرًا لعدم وجود مصالح مشتركة تجمعها بتلك الأزمة.
نقلًا عن العدد الورقي...،