مؤسسات العجز الدولي.. الجامعة العربية.. زى الزينة ديكور! .. نظامها الأساسي لا يتضمن أي عقوبات على عدم تنفيذ قراراتها
لماذا لم تبذل الأمم المتحدة مزيدًا من الجهد لإنهاء العنف في غزة، أو لوضع حد للصراعات في سوريا والعراق واليمن وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا وأفغانستان وأوكرانيا وغيرها؟ لماذا لم يحسم الاتحاد الأفريقى ملف سد النهضة ولا يزال يسمح لإثيوبيا بالمساومة والمماطلة والتسويف؟
كيانات هشة
هل أصبح حلف الأطلسى "الناتو" راعيًا للإرهاب ولماذا لم يتدخل لكبح جماح العدوان التركى متعدد الجبهات؟ وإلى متى تصبح الجامعة العربية الحاضر الغائب بلا دور أو معنى؟ لماذا تخلت المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية عن أدوارها المنوطة بها، بل وأضحت بصمتها المخزى والبائس شريكًا في كل ما يضرب العالم من أزمات ونزاعات وحروب وانقسامات؟
لا تكاد تخلو قارة من قارات العالم من نزاعات مستعصية وحروب مستمرة ودماء لا تتوقف عن النزيف وقتلى ومصابين ومشردين وجوعى وفقراء ومعدمين، في الوقت الذي تحولت هذه المنظمات والهيئات إلى كيانات هشة هلامية، لا تملك القدرة على التدخل، وإن تدخلت لا تقوى على الحسم، صار وجودها عبئًا ثقيلًا على الإنسانية، وإعادة النظر إلى مدى أهميتها وجدواها محل نظر، والسعى إلى هيكلتها وترتيب أوراقها أمرًا مُلحًا. لا القضية الفلسطينية تم حسمها، ولا أمل في حلها، بل إنها تتفاقم يومًا وراء يوم، والحرب في سوريا واليمن مستعرة، والوضع في ليبيا مريب، ولا أمل في أن تضع أىٌّ من هذه النزاعات أوزارها في الوقت القريب.
في وقت سابق.. تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة حل المشكلات في العالم؟ وانتهت إلى أن الشقاق والانقسام اللذين يضربان العالم يجسدان معضلة أساسية في عجز المنظمة العالمية عن التعاطى مع مشكلات العالم، سواء في منطقة الشرق الأوسط وفى غيرها. وما ينطبق على المنظمة الأكبر عالميًا يمتد إلى ما سواها من منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية، ما يجعل الفشل خطابًا مشتركًا، ويجعل العالم كله فوق بركان ساخن، لا أمل في إطفاء نيرانه.
"فيتو" ترصد فى هذا التقرير جانبًا من هذا الفشل الذريع الذى صار قاسمًا مشتركًا لجميع المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية..
جامعة الدول العربية
مع توالي الأحداث على المنطقة العربية عبر السنين، تعرضت جامعة الدول العربية لعدة اختبارات، أظهرت قدرة في التعامل مع الأزمات وحل المشكلات التي تعاني منها الدول الأعضاء، وشهدت الجامعة العربية منذ إنشائها عام 1945 محاولات للعمل على فكرة إنشاء منظمة عروبية بامتياز، وتهدف إلى تحقيق طموحات الشعوب العربية بالوحدة بين الدول العربية، والتي تتميز بكونها لديها مقومات الوحدة مثل اللغة والتاريخ المشترك.
وساهم في تأسيس الجامعة خلال الأربعينيات، نمو الحركات الوطنية ونشاط المقاومة ضد الوجود الاستعماري في الأراضي العربية، وظهور الحاجة إلى تحقيق نوع من التوازن بين القوى السياسية على الساحة العربية، وهو ما أدت مصر دورًا هاما خلاله، وكذلك ظهور الحركة الصهيونية، والتي كان من المهم وقتها خلق نوع من أنواع دعم العمل العربي المشترك، وبحث مواجهة المخاطر المتعلقة بالحركة الصهيونية، بالإضافة إلى الانفتاح على فكرة القومية العربية.
ميثاق الجامعة العربية
وبحسب ميثاق الجامعة، فإن الهدف من تأسيسها كان السعي إلى تحقيق الوحدة بين الدول العربية الأعضاء، وصيانة استقلالها، والمحافظة على السلام والأمن العربي، وتحقيق التعاون العربي وتوطيده في شتى المجالات السياسية وغير السياسية، والتعاون من الهيئات والمنظمات الدولية، والنظر بصفة عامة في شئون ومصالح المجتمع العربي.
وكان من أبرز الملفات التي تعاطت معها الجامعة منذ تأسيسها، القضية الفلسطينية، ومسألة الاستيطان والتهجير، وكذلك الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وما تلاها من أزمات لا يزال العراق يعاني منها، وطلب الناتو التدخل في ليبيا وقصفها عام 2011، وكذلك الأزمة السورية واليمنية، كلها مشكلات كانت تمثل تحدي كبير للجامعة العربية، ولكن لم يلاحظ تحقيق تقدم يذكر فيها أو تقديم حلولا لأي منها.
وحول أسباب عدم ظهور أدوار فاعلة للجامعة، قال بركات الفرا سفير فلسطين السابق بالقاهرة: إنه يجب التفريق بين الجامعة العربية كمؤسسة بموظفيها وأمانتها العامة، وبين ما هو منوط بها من أهداف مفترض أن يتم تحقيقها وفق قرار إنشائها منذ 1945م، ووردت في ميثاق الجامعة والنظام الأساسي لها والذي حدد أهدافها.
موضحًا أن الجامعة تعاني من خلل مهم، وهو عدم وجود الكفاءات المؤهلة بالقدر الكافي؛ بسبب الاعتماد على التوظيف حسب نسبة المساهمة في الجامعة، وبالتالي نحصل على موظفين غير أكفاء وغير قادرين على تطوير المنظومة أو طرح أفكار خارج الصندوق أو خلق مبادرات أو حل مشكلات، وبالتالي ما نحصل عليه في النهاية هو تكدس لعدد كبير من الموظفين دون فائدة حقيقية توازي ذلك العدد.
آلية التنفيذ
وأضاف السفير الفلسطيني والذي عمل مندوبا لبلاده في الجامعة العربية لنحو ربع قرن: إنه وفق النظام الأساسي للجامعة وميثاقها لا يفرض على الدولة التي لا تنفذ قرارتها أي نوع من أنواع العقوبات سواء تعليق عضوياتها أو حرمانها من أي شيء، وبالتالي أصبحت قرارات الجامعة لا جدوى ولا طائل منها، وكل دولة لها حرية اختيار التنفيذ أم لا، وهي كارثة من كوارث العمل العربي المشترك.
وأشار إلى أن الجامعة العربية منذ إنشائها وحتى يومنا هذا عجزت عن حل أي مشكلة بين الدول العربية أو مشكلة تعرضت لها دولة عربية بمفردها، بل يتم تدويل المشكلات مثلما حدث في سوريا وليبيا واليمن والعراق، فلم يكن هناك دور فاعل للجامعة، مما أدى إلى فشل الجامعة في تحقيق أهدافها، ولكن ليس كمؤسسة فهي ليست صاحبة قرار وإنما تتابع تنفيذ القرارات.
وأشار إلى أنه خلال تولى عمرو موسى لأمانتها العامة، قدم العديد من المبادرات وخلق قيمة للجامعة العربية بشكل أو بآخر، ولكن الفترة الأخيرة لم نرى مثل تلك المبادرات، لافتا إلى أنه منذ ترك الجامعة منذ خمس أو ست سنوات لم يشهد مشكلة عربية تم حلها في الجامعة.
التعاون الاقتصادي
وأوضح أن التعاون الاقتصادي العربي المشترك أو التكامل الاقتصادي العربي لم يشهد تقدما منذ عام 1945 وحتى يومنا هذا، فمازلنا ندور في فلك منطقة التجارة العربية الحرة، وذهبت طموحات إنشاء سوق مشتركة أدراج الرياح، وكأنها كانت مجرد أحلام وأوهام.
كما أنه ما زالت الدراسات تجرى حول مسألة الاتحاد الجمركي، وأخر قرارات الجامعة في فبراير الماضي كانت هناك توصيات بالإسراع في الانتهاء من دراسات الاتحاد الجمركي، لذلك فنحن مازلنا في أولى خطوات التكامل الاقتصادي، وأشار إلى أن الجامعة لم تنجح سياسيا في حل المشكلات، ولا اقتصاديا في تحقيق طموحات الجماهير العربية في تحقيق تكامل اقتصادي بسوق عربية مشتركة، وبالنظر إلى الأوروبيين الذين بدءوا بعدنا بسنوات نجد أنهم نجحوا في إنشاء سوق أوروبي مشترك وبعده الاتحاد الأوروبي.
لافتًا إلى أن ذلك لا يعني أن الجامعة العربية غير مطلوبة بل على العكس، فإن هناك بعض المشروعات الشيطانية مثل مشروع بيريز الخاص بشرق أوسط يضم الدول العربية وإسرائيل، وكذلك مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ظهر 2002 أيام بوش الابن والذي يضم الدول العربية وإسرائيل وتركيا وإيران وأفغانستان، وألا يكون هناك الحاجة للجامعة العربية، بما يؤدي في النهاية إلى إلغاء الجامعة العربية، فكل تلك المشاريع من الضروري وجود الجامعة للتصدي لها.
تطوير الجامعة
وأوضح أنه من الضروري تطوير الجامعة العربية واتخاذ خطوات إيجابية بإلزام الدول بالقرارات التي تصدر عن الجامعة ومجلس وزراء الخارجية العرب، وكذلك تعديل نظام التوظيف والاعتماد على الكفاءات، لأن الجامعة تدفع رواتب كبيرة يمكن أن تستغلها في جذب الكفاءات العربية، وتغيير نظام الكوتة والذي جعل أغلب الموظفين من دول الخليج المساهمين الأكبر في الموازنة دون الاعتماد على الكفاءات المؤهلة بالقدر الكافي، بما يكفل تطوير الجامعة كمؤسسة وخلق مكانة لها بين دول العالم، كما هو الحال بالنسبة للأمم المتحدة والبنك الدولي واللذين يعتمدان على توظيف أفضل خريجي الجامعات حول العالم وأصحاب الخبرة والكفاءة العالية.
واختتم حديثه بأنه من الضروري للغاية الحفاظ على الجامعة العربية لأنها تمثل النظام الإقليمي العربي المطلوب إلغاءه من الغرب ومواجهة مشروعات طمس الهوية العربية.
نقلًا عن العدد الورقي...