رئيس التحرير
عصام كامل

واشنطن تخفق تجاه علاقتها بمصر


في الصيف الماضي، استقبل المتظاهرون ومعظم الناشطين المؤيدين للديمقراطية لوزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" في مصر بوابل من الطماطم الفاسدة،، وذلك لشعورهم بالغضب والقلق، لإعتقادهم بأن "واشنطن" تريد جماعة الإخوان المسلمين في السلطة كما لا يزال العديد منهم يؤمن بهذا حتى هذه اللحظة.

وواحدة من أكثر الأفكار إثارة للدهشة هي العديد من نظريات المؤامرة التي تحوم في ذلك الجزء من العالم، والعديد من الليبراليين المصريين، الذين يعتبرهم كثير من الناس بأفكارهم المنفتحة والمتقاربة مع الغرب والعالم، يعتقدوا أن "واشنطن" تقف ضدهم. فكرة المؤامرة هذه سخيفة، ولكن لا يزال لدى دعاة الديمقراطية الحق لأن يشعروا بخيبة الأمل.
وتريد واشنطن تعزيز الاستقرار في المنطقة، وتعتبر السياسة الواقعية لتحقيق هذا هي جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها القوة الأكثر نفوذًا في مصر، وسواء كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحب تلك الجماعة أم لا، فهي ببساطة لا تريد أن تنتج سياسة سيئة تؤثر على المنطقة.
وقد أتى دعم "واشنطن" لجماعة الإخوان المسلمين بدور عكسي، عندما أدانت محكمة مصرية 43 ممثلًا من المنظمات غير الحكومية الأجنبية، بما في ذلك ما لا يقل عن 16 أمريكيًا واثنين من الألمان، الذين كانوا يعملون لتطوير المجتمع المدني، وإجراء حلقات دراسية ودورات تدريبية لترسيخ الديمقراطية، وحكم بالسجن على موظفي المنظمات غير الحكومية لمدة تصل إلى خمس سنوات، بتهمة عمل تلك المنظمات دون ترخيص.
وقالت إحدى المنظمات الرئيسية، وهي "فريدوم هاوس"، إن مكتبها يعمل بجد مع المسؤولين المصريين وقدمت جميع الأوراق المطلوبة عندما داهمتها قوات الأمن، التي اعتقلت عمالها وصادرت ممتلكاتها.
ويساهم رئيس مصر المنتخب، "محمد مرسي"، بدفع التشريعات تجعل عمل جميع المنظمات غير الحكومية أكثر صعوبة، والبلد تصبح أقل ديمقراطية كل يوم، وقد أدان النائب العام بعض المدونين والناشطين الأكثر شهرة، وبعض الصحف، والكتاب بتهمة "إهانة" الرئيس أو ازدراء الأديان.
وأثارت الاحكام القضائية ضد المنظمات غير الحكومية غضبا دوليا، ولكنها لم تبدو أنها تسبب المتاعب لواشنطن بهذا القدر المزعو، وقد أصدرت الأمم المتحدة بيانا اتهمت فيه مصر بالاعتداء على حقوق الإنسان الأساسية، وألمانيا، التي كانت مواطنيها من بين المدانين، أعربت عن غضبها وإستيائها.
وصف وزير الخارجية الالماني القرار بأنه فضيحة، وهناك دعوات في البرلمان لانهاء المساعدات الألمانية لمصر وقطع العلاقات الدبلوماسية.
على النقيض من ذلك، تبدو الولايات المتحدة أكثر ارتياحًا عند تعاملها مع الموقف والأحداث في مصر، وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا أقل شدة وأخف وطأة دعا فيه وزيرة الخارجية الأمريكي "جون كيري"، القاهرة إلى "الاستجابة لتطلعات الشعب المصري للديمقراطية."
في الواقع، كان رد الفعل الأمريكي حتى أسوأ من ذلك، فقبل أيام من صدور الحكم، تنازل "كيري" باستخدام نفوذه يوم 10 مايو، عن متطلبات حقوق الإنسان على المساعدات الأمريكية لمصر، مما يجعل من الممكن تقديم 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، وانها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، لكنه لم يفعل ذلك كيري بهدوء أكثر مما كان في الماضي، دون الضغط الشعبي أو عتاب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ووقع ببساطة ورقة دون كلمة واحدة.
خيبة الأمل مع موقف الحكومة الأمريكية تجاه الحكومة المصرية التي يهيمن عليها الإخوان المسلمين تمتد الآن لحلفاء أمريكا –الأوروبيين-، الذين يرون سلبية "واشنطن" أمر محير.
العلاقات مع مصر معقدة باعتراف الجميع، والولايات المتحدة تريد الاستقرار، ولكنها تقيم علاقات وثيقة مع الجيش المصري، لأن تواجد الجيش المصري في المنطقة يساعد في تشجيع استمرار الهدوء بين إسرائيل ومصر، وترى واشنطن المساعدات كوسيلة لكسب بعض النفوذ، ما هو الهدف من تقديم المساعدات دون دفع حتى لأبسط الاعتبار لمواطني الولايات المتحدة، وبالنسبة للمتطلبات الأساسية للتنمية الديمقراطية؟
وقد حاول فريق أمريكي من العاملين بالقاهرة، تكون من بعض أذكى خبراء السياسة الخارجية في البلدين، حث الرئيس "أوباما" على اتخاذ ثلاث خطوات مهمة. أولا، ينبغي أن يقول للرئيس "مرسي" أنه اساء للولايات المتحدة ومصر، والولايات المتحدة ترفض مقترح قانون المنظمات غير الحكومية وتطالب عفو عن مواطني الولايات المتحدة الذين أدينوا بتهم زائفة، ثانيًا، تحث المجموعة على استعراضا كاملا للعلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، بما في ذلك المساعدات الاقتصادية والعسكرية، فضلا عن تقديم الدعم لطلبات القاهرة من المقرضين الدوليين، وأخيرا، فإنه ينصح وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أن يبدأ تنسيق السياسة الأمريكية تجاه مصر مع حلفاء أمريكا في أوربا، وخاصة ألمانيا، ومن شأن ذلك أن يساعد في اتخاذ القرارات السياسية.
السياسة الأمريكية الحالية تجاه مصر لن تعطي للولايات المتحدة نفوذًا على الحكومة المصرية، وانها لن تساعد الديمقراطية كثيرًا، وأنها تعطي الليبراليين المصريين سبب وجيه للاحتجاج على زيارة الدبلوماسيين الأمريكيين رفيعي المستوى، وقد حان الوقت للتغيير.

نقلًا عن صحيفة "ميامي هيرالد"
الجريدة الرسمية