رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية الفوضى .. وزراء سابقون وأساتذة تخطيط عمراني يؤكدون: سلاسل الكتل هي الحل .. و ٧ ملايين و٣٨٠ ألف عقار مخالف

البناء المخالف
البناء المخالف

الأيام القليلة الماضية شهدت "غضبًا رئاسيًا" من إرث فساد المحليات المستشرى في ربوع مصر، من أقصاها إلى أقصاها، والمتمثل في البناء المخالف الذي أفسد وجه القاهرة الكبرى، وأصاب شوارعها بالشلل المرورى، ونشر القبح في عموم المحافظات.

 

جمهورية الفوضى

 

جمهورية الفوضى التي دشنها موظفو المحليات منذ سنوات طويلة، تحت عناية "التجاهل الرسمى"، ورعاية "التغافل الحكومى"، كانت ولا تزال أشد بأسًا من الحكومات المتعاقبة.

 

للفساد في مصر أربابٌ تحميه، وآلهة تحرسه وتقوم على رعايته، ويظهر ذلك في حالات المخالفات التي تضرب كل ميدان وكل شارع وكل حارة في مصر. غضبة الرئيس الأخيرة التي أظهرها خلال افتتاحه مجموعة من المشروعات القومية، تؤكد أن السيل قد بلغ الزبى، وأن الرتق اتسع على الراقع.

 

القرارات الحكومية "المسالمة" لم تتمكن من كبح جماح الزحف العشوائى الأفقى والرأسى الذي خنق العاصمة على سكانها، واستولى على أراضى الدولة، وأتلف الرقعة الزراعية، ودمر كل شئ، لذا جاءت التوجيهات الرئاسية قوية وعنيفة وحازمة، لمواجهة كل صور الفوضى التي تمت ونمت وترعرعت تحت سمع وبصر  المحافظين ورؤساء الأحياء وشبكات المصالح التي تستطيع شراء الذمم والضمائر وتحتكرهما.

 

أرقام المخالفات مليونية وكاشفة عن الصولجان والنفوذ الذي بلغته جمهورية الفوضى، في سابق الأيام والسنين. وأمام هذه التوجيهات، والتصعيد في عقوبة المخالفين، ابتلع الجميع ألسنتهم، وبدأت الحكومة تنفيذ أكبر حركة إزالات في تاريخ مصر، ولكنها لن تشمل جميع المخالفات بكل تأكيد لأسباب كثيرة لا تخفى على أحد، ولكن أن تأتى متأخرًا خيرٌ من ألا تأتى أبدًا. الغضب الرئاسى على جمهورية الفوضى في حد ذاته مؤشر جيد للعودة إلى جمهورية الانضباط والالتزام، شريطة غلق جميع الأبواب والنوافذ الخلفية التي تكسر هيبة القانون ووقار الدولة، وألا يدفع الفاتورة دائمًا الغلابة والمخدوعون وصغار القوم!!

 

التصدي


التصدي للمباني المخالفة أحد أصعب الملفات التي تواجهها الحكومة الفترة الحالية، لذلك كان لابد من وقفة للتعرف على نقاط القوة والضعف وكيفية تفادي القصور والتغلب على الصعاب، وهو ما كشف عنه خبراء التنمية والإدارة المحلية والتخطيط العمراني.

 

7 ملايين عقار مخالف


فى البداية قال حمدي عرفة أستاذ الإدارة المحلية إن العقارات المخالفة وصلت منذ إنشاء جمهورية مصر العربية وحتى الآن إلى ٧ ملايين و٣٨٠ ألف عقار مخالف، بينما بلغ عدد المباني المخالفة بعد ثورة يناير فقط ٢ مليون و١٨٤ ألفا.

 

وطالب "عرفة" بضرورة الانتباه لعدة أمور واستراتيجيات لابد من أخذها في الاعتبار لوقف البناء العشوائي أهمها التغلب على سوء إدارة بعض قيادات إدارة المحليات بداية من بعض المحافظين مرورا بالسكرتيرين العموميين، وصولا إلى بعض رؤساء الأحياء والمراكز والمدن.


الإستراتيجية الثانية التي طالب بها أستاذ الإدارة المحلية فهى إعادة هيكلة جهاز التفتيش على البناء التابع لوزارة الإسكان من الناحية المالية والإدارية، وإعادة التوصيف الوظيفي للعاملين به، وخاصة أنه يحتضن حاليا 43 موظفا وتوصياته غير ملزمة وموظفيه لم يتم منحهم صفة الضبطية القضائية، فضلا على عدم فعاليته تجاه مخالفات البناء فتحول لمجرد صورة أمام المواطنين، لذلك لابد من مخاطبة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتنشيط عمل الجهاز وتوفير فروع له في كل المحافظات.

 

نقل التبعية


أما الإستراتيجية الثالثة فتتمثل ــ وفقا لكلام حمدي ــ في نقل تبعية الإدارة الهندسية لوزارة الإسكان وليس المحليات،وأنه لابد من سرعة نقل جميع الادارات الهندسية التابعة ل 184 مركزا و92 حيا و1211 وحدة محلية قروية إلى مديريات الإسكان المنتشرة في المحافظات، وخاصة أن عدد المهندسين في المحليات لا يتعدي 8% ومعظمهم من حملة دبلومات تجارة وصنايع.


وتحدث عرفه عن الإستراتيجية الرابعة والتي تتمثل في تطهير الإدارة الهندسية من الفاسدين وإلغاء ندب الحاصلين على المؤهلات المتوسطه كمرحلة مؤقتة إلى حين نقل الادارات الهندسية إلى وزارة الإسكان، خصوصا أن عدد الموظفين في المحليات يصل ل٣ ملايين موظف يحتاجون لزيادة مرتباتهم وإعادة تدريبهم بعدما فقدوا طاقتهم فضلا عن إدخال التكنولوجيا في نطاق عملهم وتدريبهم عليها وخاصة أنها تعتبر شبه معدومة.

 

وأوضح أستاذ الإدارة المحلية أن هناك مجموعة من التشريعات بحاجة للتعديل مثل قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 م، حيث يحتوي على ثغرات عديدة تساعد على انتشار الفساد من قبل بعض العاملين في الإدارات الهندسية بالوحدات المحلية المختلفة من جانب.

 

أو من قبل بعض المواطنين الذين يعجزون على الحصول على تراخيص البناء المختلفه نظرا لصعوبة الإجراءات من جانب آخر، والحل الوحيد هنا يكمن في تعديل قانون البناء الموحد.

 

وأضاف: "لا بد من تطبيق قانون رقم ٩٩ لسنة ٢٠٠٨ والذي ينص على أن تكلفة إزالة المباني المخالفة على عاتق المخالف نفسه، وهذا الإجراء غير منفذ في معظم المحافظات، وينبغي تشريع قانون جديد يسمح بحبس كل من المقاول أو المهندس الذي ينفذ أي إنشاءات مخالفة علاوة على حبس صاحب العمارة المخالفة ذاتها".

 

استغلال التكنولجيا

 

وفي نفس السياق، يقول الدكتور أشرف عبدالوهاب وزير التنمية المحلية السابق إنه آن الآوان لاستغلال التكنولوجيا في منع البناء المخالف ومواجهة التعديات، ورصد المخالفات سريعا لتفادي نفقات الهدم والتي تكلف وتهدر الكثير من الأموال، موضحا أنه من الممكن التعرف على التعديات على الأراضي الزراعية وأراضي أملاك الدولة ومباني مخالفة خط التنظيم، من خلال صور القمر الصناعي والخرائط الإلكترونية والتصوير الجوي للمباني السكنية والعمرانية وتحديد المخالف والمتجاوز.

 

وأشار "عبدالوهاب" إلى أن المواطنين يتحايلون على القانون من خلال استخراج تراخيص بناء أراضي صالحة للبناء ولكن بعد توصيل المرافق والخدمات وانتهاء دور أجهزة التفتيش يتجهون لبناء أدوار مخالفة لذلك لابد من الاستعانة بصور القمر الصناعى والاستخدام الأمثل لتكنولوجيا التصوير الجوى والتعرف الذكى على المرتفعات للتعرف على تلك المخالفات أولا بأول قبل تفاقمها كما حدث في السابق.

 

لأن قطاع التفتيش ليس لديه القدرة على الوصول لجميع الأحياء في آن واحد بصفه دورية، كما ينبغي تشجيع المواطنين للإبلاغ عن المخالفين، وأضاف أن الجزء الأهم في ملف التعديات التي تتم على أراضي الدولة أو الأراضي الزراعية هو كيفية منع انتشار التعديات، ويتم ذلك من خلال تغليظ العقوبات بالحبس أو سحب ملكية الوحدة ودفع غرامات قيمتها أعلى من قيمة الوحدة نفسها.

 

بدائل للمواطنين

وأيضا توفير بدائل للمواطنين، لمنع التعديات وذلك من خلال إتاحة أراض  بالظهير الصحراوى في بعض المحافظات من أراض زراعية وأرض للبناء وتمليكها لهم بحيث تتوافر العقوبات للمخالفين والبدائل للمواطنين الراغبين في البناء.

 

وأضاف:" من بين الأمور التي تساعد على انتشار المباني المخالفة التلاعب في إصدار تراخيص البناء من قبل موظفي المحليات، ويمكن أيضا التغلب على فساد إدارة البناء المحليات ودفع الرشاوي من أجل الحصول على التراخيص من خلال تكنولوجيا غير قابلة للتلاعب فيها، باستخدام سلاسل الكتل هي Blockchain والتي تستخدم في تطبيقات متعددة منها تأمين إنشاء وتداول الوثائق ومنع التلاعب فيها والغش.

 

وفي نفس الوقت توفر الشفافية بحيث تكون الشروط مميكنة وليس للموظف أي دور في عملية التحكم في إصدار الرخصة أو الإخلال بالقواعد التي تصدر بها الرخصة".

 

وأوضح أن استخدام تكنولوجيا سلاسل الكتل Blockchain، سيجعل سند الملكية الخاص بالوحدة سندا واقعيا يوضح حالة الوحدة الفعلية والمخالفات الواقعة عليها، مؤكدا على أن ذلك سيدفع المواطنين لتسجيل العقار، وخاصة أن كمية العقارات المسجلة في الشهر العقاري لا تتجاوز 7% من حجم البناء في مصر، فقديما كانت رسوم التسجيل عالية ووقت التسجيل يصل من 9 شهور إلى سنتين، فلا بد من وضع رسوم محددة لتسجيل كل وحدة. 

 

لجان مختصة 


ومن جانبه، قال محمد عطية وزير التنمية المحلية السابق إن عدد المبانى المخالفة زاد بطريقة كبيرة جدا بعد ثورة يناير ٢٠١١ سواء بالبناء على الأراضى الزراعية أو أملاك الدولة أو بدون تراخيص أو الاعتداء على خط التنظيم أو مرخصة بها أدوار مخالفة، فلا بد من ازالة كل هذه المباني المخالفة حتى وإن كان بها سكان يجب إخلاؤها وهدمها.

 

وطالب "عطية" بتشكيل لجان شعبية من قبل أساتذة كلية الهندسة ويتمتعون بصفة الحياد ويوضحون هل هذه المبانى تتوافر بها قواعد الإنشائية أم لا، وتحديد نوع المخالفة، موضحا معظم المخالفات كانت تحت أعين ونظر مسئولي الحى.

 

ويرى عطية أنه لا يمكن التصالح في محالفات البناء على الأراضي الزراعية أو أملاك الدولة أو تعدى خط التنظيم، وأيضا المبانى المخالفة للصحة الإنشائية، مشيرا إلى أن ٩٩% من المبانى المخالفة لا يصلح معها تصالح موضحا الحالة الوحيدة التي يمكن التصالح فيها وهى 1% أذا فشل في الحصول على ترخيص ولكن المبنى غير مخالف وصالح للبناء وسليم.

 

السلامة الإنشائية


ويقول سيف الدين فرج أستاذ التخطيط العمراني: في البداية يجب تحديد مدخلين الأول مدخل تصنيف المخالفات وتنقسم إلى مخالفات جسيمة وهى التي لا يجوز التصالح فيها ولا يجوز التسامح معها، ولا يمكن الاكتفاء بفرض غرامة عليها، والحل الوحيد هو الإزالة قولا واحدا مثل البناء على أراضي الدولة أو الأراضى الزراعية أو المنشآت التي تفقد للسلامة الإنشائية مهما كانت تكلفة الوحدة.

 

وتابع "فرج" قائلا :"سائر المخالفات يمكن تصنيفها مخالفات خطيرة ومخالفات اقل خطورة ومخالفات بسيطة مثل تغير الواجهة وخاصة أن القانون المصرى يمنع المالك بعد أخذ الرخصة من تغيير الواجهة، ويمكن التصالح مع تلك المخالفة لأنه من الممكن إرجاع الشىء لأصله لكن يجب أن يدفع غرامة، وهناك مخالفات أخرى يمكن التصالح معها أيضا مثل مخالفة الجراج وخاصة أن القانون ينص على أن الجراج في البدروم أو الدور الأرضي لابد أن يكون لإيواء السيارات طالما الرخصة صادرة بجراج لإيواء السيارات ولا يصح تحويله لمحال أو شقق فلابد من إرجاع الشىء لأصله ودفع غرامة.

 

كما أن هناك مخالفات أخرى لا يمكن التصالح فيها مثل ارتفاع المباني غير القانونية وأزمتها مع الطيران المدنى، لأن القانون العام ينص على أن الحد الأقصى للارتفاع مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصى 36 مترا أي 12 دورا، ولابد من إزالة المخالفات المختلفة عن ذلك وليس إزالة المبنى كله.

 

وأشار أستاذ التخطيط العمراني إلى أن المشكلة الأساسية في مصر أنه صدرت قرارات إزالة بآلاف ولم تنفذ، لأنه لابد من اتخاذ الموافقة الأمنية فضلا عن تجميع أدوات الإزالة من معدات بشرية ومادية ومعدات هدم وقوات تأمين المنطقة بسبب ذلك حجم ما تم تنفيذه من الإزالات لا يتعدى1%.

 

 

ونوه إلى أن أكثر محافظة بها ملايين المخالفات هي محافظة الإسكندرية، فبعد ثورة ٢٠١١ استغل المواطنون الانفلات الأمني وأنشئوا مباني وأدوارا مخالفة للتراخيص، فضلا عن ظهور ما يسمى ب"الكاحول" الذي يتم البناء باسمه وهو أصلا مسجل خطر، فلابد من البدء بمحافظة إسكندرية لأنها أكثر المحافظات التي تواجه مخالفات.

 

وعن تحديد مهلة الثلاثة أشهر لطلاء المبانى من قبل رئيس الوزراء، أشار أستاذ التخطيط العمراني إلى أن هذا القرار لا يصح أخذه الآن، لأن التوقيت غير مناسب في ظل جائحة كورونا التي تسببت في قطع أرزاق الكثيرين وعجز العديد من المواطنين عن دفع قيمة الإيجار الجديد للملاك، فلابد من تأجيل هذا الإجراء بعد الانتهاء من فيروس كورونا.

نقلًا عن العدد الورقي..،

الجريدة الرسمية