سر حب المصريين للخديوي عباس حلمي الثاني.. وقصة هتاف "عباس جاي"
تحل اليوم الثلاثاء 14 يوليو الجاري، ذكرى ميلاد الخديوي عباس حلمي الثاني، سابع حكام مصر من أسرة محمد علي، حيث ولد في مثل هذا اليوم من عام 1874م، وهو ابن الخديوي توفيق، كما يعد آخر من حمل لقب "خديوي" من حكام مصر.
وتولى الخديوي عباس حلمي الثاني الحكم، خلفا لأبيه الخديوي توفيق بعد وفاته، وكان ذلك في عام 1892 حيث استمر في الحكم حتى عزلته بريطانيا في ديسمبر من عام 1914 إبان الحرب العالمية الأولى، وعينت عمه حسين كامل وأطلقت عليه لقب "السلطان".
أحب المصريون الخديوي عباس حلمي الثاني، نظرا لعدائه للإنجليز، ورغبته في التخلص من السيادة والتدخل البريطاني في شؤون مصر، بالإضافة إلى دعمه للحركة الوطنية بقيادة رموزها آن ذاك مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم.
ووفقا لما ذكره المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية" فإن عباس الثاني تولى مسند الخديوية في يناير سنة 1892م، وهو في سن الثامنة عشرة من عمره، وقلبه مملوء آمالا كبارا في أن تسترد مصر استقلالها في عهده، وساءه أن رأى الإنجليز قد وضعوا أيديهم على وزارات الحكومة ومصالحها، فاعتزم وضع حد لهذا التدخل غير المشروع، ورسم لنفسه في أوائل عهده بالحكم سياسة مقاومة التدخل البريطاني، وفي الحق أنها سياسة قومية ممدوحة تدل على ميول وطنية طيبة، وشجاعة نادرة جعلته وقتا ما يغامر بعرشه.
ويتابع الرافعي: "وجد الخديوي عباس في مصطفى كامل الزعيم الوطني الشاب الذي استطاع على حداثة سنة أن يحمل علم الجهاد، فأعجب بهذه الشخصية الفذة، إذ وافقت ميولة وآماله في بداية حكمه فأمدها بالمال والتأييد وقتا ما، ومن هنا توثقت روابط الود والتعاون بين مصطفى كامل والخديوي عباس".
كما أنه وقف في وجه اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني، وأعاد الجمعية الوطنية "البرلمان"، وأعاد العمل بالدستور، كما أيد السلطان العثماني في الحرب العالمية الأولى ضد بريطانيا.
وللخديوي عباس حلمي الثاني أيضا إنجازات هامة ومنها إقامة خزان أسوان وإنشاء جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة"، وإنشاء المتحف المصري و المتحف اليوناني الروماني، وأنشأ مكتبة الأزهر الشريف، ومبنى بورصة الإسكندرية.
كما أنشأ مدينة بور سودان حيث كانت السودان وقتها تحت الحكم المصري، واقام العديد من الكباري الهامة مثل كوبري نجع حمادي وزفتى ودسوق، وكوبري إمبابة، وكوبري أم درمان وعطبرة وغيرهم.
ونظرا لهذه السياسة التي اتبعها الخديوي عباس حلمي الثاني، فإن ذلك لم يرق لبريطانيا والتي سعت حكومتها للتخلص من الخديوي في أقرب فرصة تسنح لها بذلك.
واتيحت لبريطانيا الفرصة لعزل الخديوي عباس حلمي الثاني، ففى ٢١ مايو ١٩١٤ استقل الخديوي يخت "المحروسة" في رحلة للخارج، و زار تركيا في ٢٥ مايو وبينما كان خارجا من الباب العالى قام شاب مصرى يدعى "محمود مظهر" بإطلاق الرصاص عليه، حيث استغرق علاج الخديوى عدة أشهر.
وفي تلك الأثناء اشتعلت الحرب العالمية الأولى، فانتهز الإنجليز ذلك وخلعوه من الحكم، حيث كان قد أبدى الخديوي عباس حلمي الثاني تأييده للدولة العثمانية ودول المركز ضد بريطانيا ودول الحلفاء في الحرب.
ونصب الإنجليز عمه حسين كامل حاكما لمصر تحت لقب "سلطان"، و تم الغاء لقب "خديوي" و قام الإنجليز بفرض الحماية على مصر رسميا.
وتقول المؤرخة لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كتابها "مصر في الحرب العالمية الأولى" عن دعم المصريين للخديوي عباس حلمي الثاني ضد بريطانيا: "راح المتشيعون للألمان ودولة الخلافة يذيعون أن الجيش المقبل عرم، ولن يستطيع الإنجليز صده، واعتقدوا أن الخديوي اتفق معهم (تقصد تركيا) على استقلال مصر استقلالا تاما".
وتتابع: "ترددت الأخبار في مصر عن إعلان استقلالها في الاستانة نفسها، وبأن الخديوي ومعه لفيف من المصريين قادم على رأس جيش لطرد الإنجليز وخلاص مصر، وأنه بانتصار ألمانيا وتركيا في الحرب سوف تحرر أرض مصر".
وتضيف: "ردد الناس الله حي عباس جاي.. قولوا لعين الشمس ما تحماشي لأحسن غزال البر صابح ماشي.. يا أمة الاسلام ليش حزينة إذا كان علي عباس بكرة يجينا".
وتوضح الكاتبة: "لقد اعتبر المصريون لعنات الانجليز علي عباس ورفض عودته إلى مصر شهادة بوطنيته ودليلا على تمسكه بأهداف مصر في الحرية والاستقلال".
ولكن بعد هزيمة الدولة العثمانية وألمانيا في الحرب، عاش عباس حلمي الثاني منفيا بين تركيا ودول أوروبا، إلى أن توفي فى سويسرا عام ١٩٤٤، وعاد جثمانه إلى مصر ودفن فى قبة أفندينا، و هى مقبرة أبيه الخديو توفيق فى منطقة العفيفى بالقاهرة، على طريق الأوتوستراد، بناحية منشية ناصر.