لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟ (3)
حالت الإشكالية القانونية
التي تسبب فيها المستشار سامح كمال، رئيس هيئة النيابة الادارية الأسبق دون محاسبة
الموظف المخطئ أو المنحرف، وتحقيق الردع العام، والحفاظ على أموال الدولة، بل أدى
قراره إلى شيوع الفوضى بين المتهمين في قضايا التأديب بمختلف المحاكم التأديبية في
محافظات مصر، وهو المجال الفريد المتميز بين دول عديدة، ولكن لا بد من وقفة مع الأسباب
بشكل متكامل، حتى نصل إلى حل متكامل.
ولعل من نافلة القول إن المستشارة أماني الرافعي، رئيسة هيئة النيابة الإدارية السابقة سارت على ذات النهج
فأصدرت الكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2018 المؤرخ أول أغسطس 2018م ونص في مادته الاولي
علي: إحالة كافة القضايا الصادر بشانها أحكام تاديبية أو قرارات إدارية أو فتاوي بالغاء
قرارات النيابة الادارية الصادرة بالجزاء التأديبي بحالتها الي المحكمة التأديبية المختصة.
نعلم أن إحالة الموظف
العام إلى المحاكمة التأديبية يدخل في مجال السلطة التقديرية للنيابة الإدارية، وهي
الأمينة على الدعوى التأديبية، وبالتالي فلها أن تعدل عن الإحالة بالنسبة لبعض الحالات
لأسباب تقررها كعدم الأهمية، ولها أن تحيل حالات أخرى، كل هذا وفقًا لما تراه محققًا
للصالح العام وفي إطار من المشروعية، على أن يكون أمر تقدير هذه السلطة ومدى اتفاقها
وصحيح حكم القانون خاضعًا لرقابة المحاكم التأديبية بما لها من سلطان على الدعوى التأديبية.
لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟ (2)
وقرار النيابة الإدارية
بإحالة المتهمين إلى المحكمة التأديبية عن ذات المخالفات التي سبق وانتهت في ختام تحقيقاتها إلى مجازاتهم إداريًا يخالف ضوابط الحق المخول لها قانونا وهو حق الادعاء أمام المحاكم
التأديبية، فجاء قرار المستشارة أماني الرافعي رقم 3 لسنة 2018 فيما تضمنه من توجيه
بإحالة جميع القضايا الصادر بحقها أحكام قضائية ببطلان قرارت الجزاء مصطدماً بوجه المصلحة
العامة التي يتغياها قرار الإحالة الى المحكمة التأديبية.
كما حمل هذا القرار
عدم تنفيذ مقتضيات الأحكام القضائية النهائية والصادرة ببطلان قرار الجزاء تنفيذًا
سليمًا، فخالف حجية الشيء المحكوم به التي لحقت بمنطوق هذه الأحكام ببطلان قرار الجزاء
وما إرتبط بهذا المنطوق من أسباب ارتباطًا وثيقًا وما فصل فيه الحكم بصفة صريحة، ومقتضى تنفيذ هذا الحكم تنفيذًا صحيحًا – إلى عدم اختصاص النيابة الإدارية بإصدار قرارات الجزاء
من خلال لجان التأديب التابعة لها.
وغني عن البيان أن
هذا القرار المخالف للقانون يساهم في وضع المتهم موضع المسئولية لفترات طوال مسلطًا
عليه سيف الإتهام لسنوات لأسباب خارجة عن إرادته، على خلاف الأصل العام بأن المتهم
بريء حتى تثبت إدانته، فتارة يجازى بقرارات من لجان تأديب يقضي ببطلانها، ثم يسحب هذا
القرار تنفيذا للحكم القضائي فيجد نفسه في موضع الاتهام من جديد محالاّ للمحاكمة التأديبية
لمعاقبته مرة أخرى عن ذات المخالفة دونما سند من القانون، وما يلحق ذلك من تأثير سلبي
على المركز القانوني للموظف العام.
لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟
وإذ يعدل المستشار
عصام المنشاوي، رئيس هيئة النيابة الإدارية الحالي عن قرار صدر بمعرفة المستشارة أماني
الرافعي، رئيسة الهيئة السابقة، فإن دافعه ووازعه، أنه كلما بان له وجه للحق لزَمه،
محقق بذلك قوله سبحانه وتعالى " قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ".. ولعل هذا ما وضعه المستشار "المنشاوي"
نصب عينيه فلم يمنعه قرار صدر بالأمس، أن يَرجِع عنه إلى الحق، فإن الحق قديم.
ومن هنا يتضح أن
تعنت "سامح كمال" لم يكن سببًا وحيدًا للإشكالية القانونية وإن كان مباشرًا،
وأما السبب الأكثر تأثيرًا، فهو عدم تدخل مجلس النواب منذ انعقاده وحتى تاريخه لإصدار
قانون النيابة الادارية، الذي ينادي به أعضاؤها منذ سنوات دون جدوى، رغم كونه تشريع
يهم أكثر من ستة ملايين موظف، وهو ما يجعلنا نهمس في أذن الدكتور علي عبد العال، رئيس
مجلس النواب لتدارك هذا التراخي، ونقول له فقد صدرت تشريعات كثيرة أقل أهمية وخطورة
من تشريع النيابة الإدارية المنصوص عليه دستوريًا.. وللحديث بقية.