محمد عبد الجليل يكتب كورونا بالشطة والحلاوة.. حكاية النصاب الذي خدع الجميع وهرب من العزل.
ميدو مش مجرد لص عادي، فبالإضافة إلى مواهبه في السرقة والنصب وتجارة الآثار
والأعراض وانتحال الصفة والتزوير، فإنه أيضا لديه قدرة خارقة على الخداع والتمثيل مكنته
من مغافلة رجال الشرطة والأطباء والهرب من محبسه، بعد أن ادعى إصابته بكورونا ولم يشك
فيه أحد بسبب براعته في التمثيل وحبك الدور، وهو ما دعا أصحابه في "الكار أن يطلقوا
عليه لقب الفنان الذي استحقه عن جدارة.
بدأت قصة ميدو كقصة كل شاب يحلم بالثراء السريع، لا شغلة ولا مشغلة، فقط
أحلام معلقة في الهواء تنتظر معجزة لتحقيقها، فلم يجد ميدو أمامه سوى طريق الشيطان يضع فيه أولى خطواته نحو حلمه، ميدو وحيد
أمه أفرطت في تدليله وأفسدت طبعه، فقد آثر
أن يبتعد عن البلطجة واختار طريق النصب وتجارة الآثار، مستغلا لسانه المعسول وجاذبية
مظهره ، حتى "لعبت البلية" معه وصار يبذر الأموال بلا حساب، حتى ذاع صيته
ووصل إلى رجال مباحث مديرية أمن القليوبية، فنصبوا له فخا عن طريق أحد شركائه الذي
سلمه لهم تسليم أهالي متلبسا وبحوزته قطع يشتبه في أثريتها كان يستعد لبيعها.
أحيل المتهم إلى النيابة التي أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات، وبعد أن قضى
أول ليلة له في الحجز، لم تتحمل نعومة جسده ورقة جلده ليالي التخشيبة الطويلة، وأصر
على أن يخرج منها مهما كلفه ذلك من ثمن، وظل ساعات طويلة صامتا لا يكلم أحدا، يركز
كل تفكيره في الخطة التي كان بالفعل قد وضع أركانها بعناية ورسم خطواتها بدقة، قبل
أن يقطع حبل صمته صوت حضرة الصول وهو يستدعيه ليحضر إلى فناء الحجز الخارجي لرؤية أمه
التي أحضرت له ما طلبه من طعام وسجاير.
لم يطيل الشاب وقفته مع أمه، ما هي إلا دقائق حتى مال على أذنيها وأسر
لها بسر، فأومأت برأسها وذهبت، قبل أن يتسلمه الصول مرة أخرى ويعيده إلى الحجز، ولم
يكن هذا السر سوى طلبه من أمه أن تحضر له في اليوم التالي قالب حلاوة طحينية وورقة
شطة، ليطلق ساعة الصفر لتنفيذ خطته.
كان ميدو على معرفة وإطلاع بأخبار فيروس كورونا وأعراضه المرضية، وكانت
خطته بسيطة تعتمد على وصفة شعبية شهيرة، وهي مزيج الحلاوة مع الشطة، ما يؤدي إلى ارتفاع
درجة حرارة الجسم، وسيلان الأنف، والعطس المستمر، ويبدو أن خطته نجحت، فبمجرد أن بدأت
الأعراض المشابهة لأعراض كورونا تظهر عليه، أنتاب المحبوسين الهلع، وأخبروا مأمور القسم
الذي أخطر فورا مديرية أمن القليوبية والمستشفى والتي أرسلت على الفور طبيب قام بالكشف عليه وقرر الطبيب انها اعراض كورونا وتم نقله بسيارة إسعاف مجهزة لنقل المسجون المريض
وسط حراسة أمنية مشددة.
في المستشفى جرى الكشف على ميدو وهو تحت تأثير أعراض الحلاوة والشطة، وتأكد
الأطباء أنها حالة اشتباه في كورونا، فأمروا بوضعه تحت الملاحظة الطبية، حرصا على حياته،
على أن يبقى أيضا تحت الملاحظة الأمنية التي تكفل بها 3 أفراد من رجال الأمن.
سار الجزء الأول من خطة ميدو على ما يرام وكما رسمها، وعندما أحضرت له
أمه الطعام، بدأ على الفور في تنفيذ الجزء الثاني والأخير، ولأنه مكبل بالأصفاد الحديدية
في السرير كونه متهما لا يجوز إطلاق يديه، فقد استعطفت أمه القوة الأمنية المرافقة
له في أن ينزعوا الحديد عنه لكي يتمكن من تناول الطعام والشراب والذهاب إلى دورة المياه،
إذ كيف لمريض كورونا أن يهرب وهو في حالته هذه؟!.
رق قلب أفراد القوة الأمنية إلى توسلات الأم، وحلوا وثاق الشاب الذي لمعت
عيناه مستبشرا بأن الأمور تسير كما رسمها دون أية منغصات، وخدمه الحظ ولعب القدر في
صالحه عندما لاحظ وجود ممر جانبي يتفرع من عنبر المرضى الذي يقيم فيه، فطلب من الحراس
أن يساعدوه على التريض بالسير قليلا في الردهة، فوافقوا عندما نظروا إليه فرأوا ضعف
حالته وعجزه عن مجرد الوقوف على قدميه، واطمأنوا إلى طلبه.
ظل ميدو يسير بخطوات ثقيلة في الردهة المزدحمة، ينتظر أن تغفل عنه عيون
الحرس ولو ثانية، حتى حدث ما تمناه عندما أحضر الأطباء والممرضات نزيلا جديدا، فانشغل
العنبر كله به، وكانت هذه فرصة الشاب الذي
دلف إلى الممر الجانبي في سرعة البرق، ليجد في نهايته نافذة بذات إطار خشبي رقيق نجح
في كسره والولوج منها إلى الخارج.
قامت قيامة الدنيا ولم تقعد، وأحيل أفراد الحراسة إلى التحقيق، وكثفت مديريتا أمن القليوبية والقاهرة جهودهما في البحث عن المتهم قبل ضبطه في منطقة النزهة بحي السلام مختبئا عند أحد أصدقائه، ويتم ترحيله إلى الحجز، لكن هذه المرة دون شطة أو حلاوة.