د. نادية حلمى: أوجه التشابه بين ثورة 30 يونيو مع الثورة الصينية (1 – 6)
جاءت الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو، فرصة سانحة لى لتقديم تقرير شامل ستستفيد منه أجيال لاحقة وصناع قرار فى مصر والمنطقة، لتحليل كافة علاقات مصر مع الصين ما بعد ثورة 30 يونيو بالأساس، مع اجتهادى البحثى لإعادة تقديم أهم تقارير (وسائل الإعلام الصينية الرسمية)، والتعريف بأهم (مراكز الفكر الصينية) وباحثيها بشكل جديد، داخل عدد من الجامعات الصينية الحكومية أو الخاصة، بما يصدرونه من مجلات أكاديمية متخصصة تناولت جوانب متعلقة بالشأن المصرى والرئيس السيسى وعلاقات بكين بالقاهرة ما بعد ثورة 30 يونيو وسقوط حكم جماعة الإخوان.
مع الإشارة، إلى أنه فى يوم 9 يونيو 2014، حضر بالفعل المبعوث
الخاص وزير الصناعة والمعلوماتية الصينى "مياو وى" كممثل رسمى للرئيس
الصينى "شى جين بينغ" فى مراسم تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى بالقاهرة.
وحاولت أن أجتهد فى الحصول عليها من الجانب الصينى كعمل وطنى بالأساس، وتأريخاً أشارك به لتسليط الضوء على تلك المرحلة الهامة من تاريخ مصر، وذلك من وجهة نظر صينية بالأساس. مع قيامى بمحاولة تجميعها جميعاً للوقوف على كافة كتابات الباحثين الصينيين حول مصر بعد ثورة 30 يونيو ورؤيتهم للرئيس السيسى وسقوط وأسباب انهيار حكم الإخوان، كمحاولة من جانبى لتعريف الجانب الآخر المصرى والعربى وربما الدولى، على جوانب أخرى لعلاقات بكين مع القاهرة، وكيف ينظر باحثو الصين وأكاديميوها إلى مصر، والرئيس السيسى وثورة 30 يونيو، وحكم الإخوان، ثم توسعت لمحاولة مراجعة والاطلاع بشكل عام على كتابات الباحثين والمحللين (الأمريكان والغرب والإسرائيليين) وغيرهم، ورؤيتهم حول علاقة مصر والصين بعد 30 يونيو، وخلال فترة حكم الرئيس السيسي، لما لذلك من دلالة إقليمية ودولية هامة، ومحاولة تحليل ما تناولوه جميعاً بشكل مجمل لعلاقات الصين مع مصر فى فترة ما بعد ثورة 30 يونيو، وهو ما سنشير إليه لاحقاً عند عرض مجمل وأهم الكتابات الصينية الأكاديمية المتخصصة، ثم تحليل الآخرين لها من وجهة نظر مغايرة.
وهنا أذكر سؤالاً وجهته لأحد الشباب الصينى المسلم ومن باب
الدعابة، عن الجانب الذى من شأنه أن يدعم الدينى أم الوطنى إذا ما اندلع صراع بين بلد
إسلامى والصين.. بقى هذا الشاب صامتاً لبرهة، وقد تسبب لى هذا الصمت فى فضول وقلق
كبيرين فى الوقت ذاته، حول إذا ما وضعت المصلحة الدينية فوق المصلحة الوطنية لهذه
الأقليات المسلمة فى الصين فأيهما تختار؟
وهذا ما ينقلنى فوراً من مرحلة (الخبرة الشخصية) إلى (الأكاديمية
والسياسية) بشأن: (أسباب تأييد الصين لإسقاط حكم الإخوان فى مصر وتأييدهم للرئيس
السيسى)؟ وما إذا كانت الصين تعتقد أن أمنها حتماً فى خطر عندما وصلت جماعة الإخوان
إلى الحكم فى مصر؟، ولعل هذا هو التحدى الحقيقى الذى واجه الصين بشأن امتدادات
جماعة الإخوان بمنطقتها الإقليمية وداخل بيئتها الداخلية، بما يمكن أن يسبب لها
عدم استقرار بعد ذلك.
لذا، فقد درست الصين وباحثوها خلال تلك الفترة كل ما يتعلق
بالإخوان، علاقاتهم، تقاطعاتهم، تشابكاتهم وخلافه، حمايةً لأمنها الداخلى
والإقليمى بالأساس، ثم حمايةً لمصالحها الإقتصادية حول العالم.
مع التأكيد على أن الصين بعد 30 يونيو فى مصر، ومجيء السيسى
وإسقاط حكم الإخوان، قد باتت أكثر توجهاً واهتماماً بالقاهرة، لدراسة (مصادر
المخاطر المحتملة من حكم الإخوان والتيارات الإسلامية فى مصر والمنطقة، وكيف يمكن
تحديد مكامنها ومخاطرها والانتصار عليها بالإستناد إلى الرؤية المصرية وخبرة
الرئيس السيسى؟)، وهل مصر تؤسس لحكم علمانى ودولة علمانية بعد إسقاط حكم الإخوان؟،
وهو ما اتضح فى عدد من التقارير الرسمية الصينية المنشورة بعد 30 يونيو، والتى
حملت عناوين كبيرة تحوى هذا الإطار.
فكان أول سؤال
شخصى وجهه لى الصينيون: ما هى أكثر سمة أو صفة تجذبك فى السيسى بصفته الحاكم
الجديد فى البلاد؟، ابتمست وأكدت أن أهم صفة بالنسبة لى لتأسيس بداية حكمه فى مصر
هى صفة (رجل المخابرات) وبعدها سوف يأتى كل شيء! وأنا شخصياً كتبت مقالا قديما
ونشرته فى نهاية 2014، بعنوان: "كيف تنظر الصين إلى السيسى رجل المخابرات؟".
لذا، فأتذكر أنه عند زيارة السيسى إلى الصين فى أول زيارة له إليها بعد ثورة 30
يونيو، جاءت متابعتى الدقيقة لتغطيات الصحافة الصينية، ومسئوليها، وتركيزها على مقولة
السيسى للصينيين: "أدعوكم
للعمل معنا".. وإبراز دعوة السيسى للشعب الصينى إلى وضع إيديه فى إيدى الشعب المصرى. وهو ما اتضح
لاحقاً، وحتى الآن فى فترة إنتشار جائحة كورونا، وما تبناه الطرفان المصرى والصينى
من تقديم كافة عوامل الدعم والمساندة لبعضهم البعض.
كذلك تغطية الإعلام الصينى لمقولة "ووسيكه" المبعوث الصينى
السابق لعملية السلام: "مصر تعود للاستقرار الكامل تحت حكم السيسى".. وتغطيات
الوكالات الصحفية الصينية لكلمة المتحدث باسم وزارة
الخارجية الصينية "تشين قانغ" حول "أهمية زيارة الرئيس السيسى إلى
بكين" فى المؤتمر الصحفى الذى عقده وقال فيه: "إن الصين تعتبر مصر دولة ذات نفوذ وثقل كبير فى منطقة الشرق الأوسط،
وأنها تنظر بإعجاب شديد للخطوات المتقدمة التى قامت بها مصر فى عملية تحولها
السياسى فى عهد الرئيس السيسى وما بعد 30 يونيو".
وبناء على
الخبرة السابقة، وجهت الصين عدداً من باحثيها بالفعل لزيارة القاهرة، والتقيت بعضاً
منهم، لدراسة تأثير وحجم التغيرات الحادثة فى القاهرة بعد
رحيل الإخوان، حرصاً
منها على "تنويع مصادر التحليلات السياسية" التى تصل إليها سواء من داخل
الحكومة أو من خارجها للوقوف على حجم التغيرات فى مصر والمنطقة، من خلال تشكيل ما
يعرف بـــ "لجان العمل القيادية المصغرة" والتى تضم خبراء إستراتيجيين
صينيين لتحليل الوضع العام فى مصر ومدى تأثيره على مصالح الصين، كما لعب (القسم
الجديد للتخطيط المتطور) التابع مباشرةً لإشراف وزارة الخارجية الصينية دوراً
بارزاً كأحد مصادر التحليل السياسى بالنسبة للرئيس الصينى (شى جين بينغ) وقيادات (الحزب
الشيوعى الحاكم) فى بكين خلال تلك الفترة.
وشارك
عدد كبير من الدارسين والمحللين السياسيين الصينيين بعد ثورة 30 يونيو فى مجموعات بحثية مشتركة من أجل كتابة
التقديرات والتحليلات حول الاتجاهات الإقليمية والدولية السائدة، والتى طرحها
محللى الصين وأكاديمييها إلى قاداتهم فى البلاد فى قالب من (الخيارات السياسية
المستقبلية) نحو القاهرة. وتمخض عنها لاحقاً عدد من الكتابات والتحليلات الصادرة
عن مراكز فكر صينية لدراسة حجم التغيرات فى العلاقات بين
مصر والصين، خاصةً من الناحية الإقتصادية، كما سيتضح لاحقاً خلال تناولى لملف
كتابات مراكز الفكر الغربية والأمريكية بل والإسرائيلية لعلاقات مصر مع بكين بعد ثورة
30 يونيو، وخلال فترة حكم الرئيس السيسى.
___________________________________________
( * ) أستاذ مساعد
العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بنى سويف.. خبيرة فى الشئون
السياسية الصينية.. محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند
بالسويد.. مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا