نَسلَم ويَسلَمُون!
قديمًا كان يسكن بالكوفة فقيه تقي صالح يدعى "إبراهيم النخعى" وقد كان أعور العين، وذات يوم كان يسير في إحدى طرقات الكوفة مع تلميذه "سليمان بن مهران" والذي كان ضعيف البصر،
وبينما كانا يسيران في طريقهما، قال إبراهيم النخعى لصديقه: "دعنا نأخذ لكل منا طريق مختلف يكمل فيه مسيرته ثم نجتمع بعد ذلك في نهاية الطريق..
لأننى أخشى إن مررنا على سفهاء القوم أن يغتابوننا ويقولون: "أعور يقود أعمش، وما يأخذون غير الإثم"، فرد عليه صديقه سليمان : "ولماذا نغير طريقنا يا شيخنا الجليل؟ دعنا نؤجرعليهم ويؤثمون"، فقال "إبراهيم النخعى": "بل نمشى في طريقين فنَسلَم ويَسلَمُون، هذا خير لنا من أن نؤجر ويؤثمون".
العبرة من القصة:
حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم
علاقة الناس بعضهم ببعض حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع، ولا يتحقق ذلك إلا إذا
حرص كل فرد على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية، وبذلك ينشأ المجتمع قويّ الروابط،
متين الأساس، كالجسد الواحد القوى، الذي لا تقهره الحوادث، ولا تغلبه النوائب، فتتحقق
للأمة سعادتها..
ومن أجل هذا الهدف، أرشدنا النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهمية تحقيق مبدأ "حب الخير للغير"، فقال : (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فبيّن بذلك أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب، أن يحب الإنسان أن يتحقق للآخرين نفس الخير الذي يحبه لنفسه، وبذلك يكمل الإيمان في القلب..
وهو ما يتطلب سموًا في التعامل، ورفعة في الأخلاق، وألا نألوا جهدًا في تقديم صنائع المعروف، ببشاشةِ وجه، ولين قلب، وسلامة صدر، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير.
يقول الإمام الغزالى رحمه الله: "أحسن
نيتك يحسن الله حالك، وتمنى الخير لغيرك يأتيك الخير". ولا تنخدع أبدًا بالمثل
الفاسد الذي يردده بعض الناس: "خيرًا تعمل، شرًا تلقى"، وبدلًا من ذلك قل
لنفسك: "خيرًا تعمل، أجرًا تلقى".
واحرص على أن تنام في آخر اليوم وعشرات الدعوات ترفع لك، من محتاج أعنته، أو جائع أطعمته، أو حزين أسعدته، وتذكر دائمًا أنه حتى لو نسى الناس فإن الله لا ينسى.