الصهيونية وعقدة الريادة
قد لا تخلو ثقافة أو تجربة سياسية من عقدة الريادة، فالأجيال التى تعقب الرواد تبقى أسيرة فى نطاق فلسفتهم ورؤاهم، لكن الصهيونية تعد حالة بالغة التطرف فى هذا السياق، فما أن مر نصف قرن على المؤتمر الصهيونى الأول فى بازل عام 1898 حتى بدأ الأبناء ومن بعدهم الأحفاد يحلمون بريادة ثانية، لكن هذا التطرف فى النموذج الصهيونى اتضح على نحو مشهود بعد حرب عام 1967 التى أطلق عليها استكمال حرب الاستقلال، فبدأ من هذا الجيل من يحلم بوراثة وايزمان وبن غوريون وغولدامائير ومنهم اسحق شامير الذى ذهب بعيداً فى الحلم والتعبير عن عقدة الريادة عندما أراد أن يكون “ملك إسرائيل” وفق التقاويم التوراتية وأدبيات الحركة.
ثم انتقلت عدوى هذه العقدة إلى النساء اليهوديات فأصبح هاجس من تصعد منهن إلى الصف الأول فى المشهد السياسى أن تكون غولدامائير الثانية، والآن يتجسد هذا الهاجس فى زعيمة حزب العمل، لكنه يتضح أكثر لدى تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية السابقة ومؤسسة حزب الحركة حديثاً.
أما لماذا اختارت ليفنى اسم "الحركة" لحزبها الجديد فتلك حكاية صهيونية لها بعد رمزى بامتياز، وإذا كان حزب "كاديما" قد اشتق اسمه من مصطلح بالعبرية يعنى التقدم إلى الأمام، فإن حزب ليفنى يعود إلى الوراء، ويعنى اسم “الحركة” بالنسبة لمؤسسى الحزب العودة إلى ما قبل الدولة العبرية، عندما كانت الصهيونية تحمل اسم "الحركة" وهى المنظمة السرية.
ومن خصائص "الحركة" كمصطلح ومفهوم أنها لا تخضع لقوانين الدولة، وبالتالى للثقافة السياسية الدولية، ولم يغب مفهوم الحركة عن الدولة العبرية طيلة العقود الستة الماضية، لكنه عاد إلى المشهد السياسى بأسماء عدة مستعارة خلال المفاوضات التى دارت بين “إسرائيل” والعرب، وإن كانت مفاوضات أوسلو، ومن ثم اتفاقياتها فى المرحلتين الأولى والثانية قد افتضحت استدعاء الدولة العبرية لاحتياطيّها الحركى ومنطق ما قبل الدولة، فالخطاب كان ولايزال مزدوجاً واشبه بدائرتين متطابقتى المحيطين ولهما مركز واحد، واوشكت هذه الحيلة أن توقع الفلسطينيين فى فخ بالغ الاحكام والصعوبة بحيث يتصرفون كدولة وهم فى مرحلة ما قبل الدولة، بينما تتصرف “إسرائيل” كحركة ودولة معاً، لهذا كان بعض حلقات التفاوض يشبه مصارعة أو ملاكمة يستخدم فيها أحد الطرفين ذراعيه معاً، بينما يستخدم الطرف الآخر ذراعاً واحدة فقط.
وبالعودة إلى هاجس الريادة وعقدتها، فإن ساسة تل أبيب وجنرالاتها يعرفون أن مثل هذه الريادة هى المرادف لما يسمى الولادة الثانية، لهذا فهى ذات متطلبات نوعية، وتشترط إنجازات غير عادية، ولم تكن حروب شارون بالتحديد إلا شكلاً من أشكال استحقاق الريادة مرة أخرى، لكنه لم ينجح فى ذلك شأن معظم أبناء جيله.
وإذا صح ما يقال عن أن التاريخ لا يستعاد إلا بإحدى صورتين، إحداهما كوميدية والأخرى تراجيدية فإن ما تحاوله ليفنى هو من النمط الأول، لأن جولدامائير أخرى وفى العقد الثانى من الألفية الثالثة هى مجرد نوستالجيا صهيونية، لأن ما أفرز الأولى تبدل كماً وكيفاً وما من فلسطين أخرى لاحتلالها إلا إذا كان المقصود هو إعادة احتلال المحتل.
نقلاً عن الخليج الإماراتية.
ثم انتقلت عدوى هذه العقدة إلى النساء اليهوديات فأصبح هاجس من تصعد منهن إلى الصف الأول فى المشهد السياسى أن تكون غولدامائير الثانية، والآن يتجسد هذا الهاجس فى زعيمة حزب العمل، لكنه يتضح أكثر لدى تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية السابقة ومؤسسة حزب الحركة حديثاً.
أما لماذا اختارت ليفنى اسم "الحركة" لحزبها الجديد فتلك حكاية صهيونية لها بعد رمزى بامتياز، وإذا كان حزب "كاديما" قد اشتق اسمه من مصطلح بالعبرية يعنى التقدم إلى الأمام، فإن حزب ليفنى يعود إلى الوراء، ويعنى اسم “الحركة” بالنسبة لمؤسسى الحزب العودة إلى ما قبل الدولة العبرية، عندما كانت الصهيونية تحمل اسم "الحركة" وهى المنظمة السرية.
ومن خصائص "الحركة" كمصطلح ومفهوم أنها لا تخضع لقوانين الدولة، وبالتالى للثقافة السياسية الدولية، ولم يغب مفهوم الحركة عن الدولة العبرية طيلة العقود الستة الماضية، لكنه عاد إلى المشهد السياسى بأسماء عدة مستعارة خلال المفاوضات التى دارت بين “إسرائيل” والعرب، وإن كانت مفاوضات أوسلو، ومن ثم اتفاقياتها فى المرحلتين الأولى والثانية قد افتضحت استدعاء الدولة العبرية لاحتياطيّها الحركى ومنطق ما قبل الدولة، فالخطاب كان ولايزال مزدوجاً واشبه بدائرتين متطابقتى المحيطين ولهما مركز واحد، واوشكت هذه الحيلة أن توقع الفلسطينيين فى فخ بالغ الاحكام والصعوبة بحيث يتصرفون كدولة وهم فى مرحلة ما قبل الدولة، بينما تتصرف “إسرائيل” كحركة ودولة معاً، لهذا كان بعض حلقات التفاوض يشبه مصارعة أو ملاكمة يستخدم فيها أحد الطرفين ذراعيه معاً، بينما يستخدم الطرف الآخر ذراعاً واحدة فقط.
وبالعودة إلى هاجس الريادة وعقدتها، فإن ساسة تل أبيب وجنرالاتها يعرفون أن مثل هذه الريادة هى المرادف لما يسمى الولادة الثانية، لهذا فهى ذات متطلبات نوعية، وتشترط إنجازات غير عادية، ولم تكن حروب شارون بالتحديد إلا شكلاً من أشكال استحقاق الريادة مرة أخرى، لكنه لم ينجح فى ذلك شأن معظم أبناء جيله.
وإذا صح ما يقال عن أن التاريخ لا يستعاد إلا بإحدى صورتين، إحداهما كوميدية والأخرى تراجيدية فإن ما تحاوله ليفنى هو من النمط الأول، لأن جولدامائير أخرى وفى العقد الثانى من الألفية الثالثة هى مجرد نوستالجيا صهيونية، لأن ما أفرز الأولى تبدل كماً وكيفاً وما من فلسطين أخرى لاحتلالها إلا إذا كان المقصود هو إعادة احتلال المحتل.
نقلاً عن الخليج الإماراتية.