رئيس التحرير
عصام كامل

أكرم الأطرش.. رجل في زمن عزَّ فيه الرجال


نحن على موعد مع معجزة إنسانية بكل المقاييس، ممن قهروا الظلام، وتحدوا العمى، ودهسوه أرضا، وانتصروا عليه، وأثبتوا أن الإرادة الصلبة والعزيمة الصادقة.. قادرتان على صنع المستحيل وما يعجز عن تصديقه أولو الألباب والأبصار.


ربما لم ينل هذا البطل قدره إعلاميا، فلم تتسابق وسائل الإعلام العربية إلى الحديث عنه باعتباره بطلا في زمن عز فيه الأبطال، ورجلا في زمن ندر فيه الرجال.

إنه القائد الشهيد الفلسطيني الكفيف.. أكرم صدقي الأطرش، الذي لم تمنعه إعاقتان.. هما: فقد السمع وفقد البصر.. من أن يقدم كل صور البطولة والشجاعة والفداء في ميدان القتال، حتى نال الشهادة، التي سعى من أجلها، وناضل في سبيلها.

كان الكفيف «الأطرش».. يحمل سلاحه، يطلق رصاصه على عدوه، الذي عرفه قلبه، من دون أن تراه عيناه، طاردهم وطاردوه عامين كاملين بجيشهم الجرار، الذي يدعون أنه لا يقهر، وهو الكفيف بتلاميذه الاستشهاديين، وحفظه لسر الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، بعد أن قاد جناحها الطلابي في جامعة خليل الرحمن.

عندما كان يتحدث الشهيد الكفيف أكرم الأطرش.. يُخيل إليك أنه رزق بحواس ليست خمسا ولا ستا، وإنما بحواس إضافية، لا يحوزها إلا أولياء الله الصالحون، ربما منحه الله إياها جائزة لحفظه القرآن الكريم كاملا، ولكنك كنت سوف تفاجأ حتما بما لا يخطر على بال أي لبيب أو داهية، فقد فقد اثنتين من حواسه، إحداهما نعمة البصر «ولد كفيفا» والثانية.. حملها مع اسمه «السمع».. إنه الشهيد البطل.. قائد كتائب عز الدين القسام في جنوب قطاع غزة.. أكرم صدقي الأطرش، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الشهداء والصالحين.

ولد "الأطرش" في حي «وادي الحمرية» بمدينة الخليل الأثرية التى تتميز عن جميع المدن الفلسطينية بمبانيها العتيقة وتاريخها الشامخ، في «19» مارس عام 1973 .

لم يكن طفلا عاديا، فقد ولد كفيفا أصمّ، ولكنه عُرف بذكائه وروحه المرحة، لذلك سرعان ما أثبت تفوقا دراسيا بمدرسة المكفوفين.. في مدينة بيت لحم، التي انتقل منها إلى جامعة الخليل، ليصبح أميرا للكتلة الإسلامية فيها.. كان أكرم، رحمه الله، يمتلك ما يفقده الأصحاء من سرعة البديهة والحفظ، والروح الفكاهية المؤمنة بقضاء الله تعالى.

كما لم تقف إعاقة البصر حائلا بينه وبين رغباته، فإذا رغب في شيء، سعى إلى تنفيذه متوكلا على الله، عز وجل، حتى يشك من يراه في أنه فاقد البصر، كان يمتلك قدرة فائقة في معرفة الشخص الذي أمامه من دون أن يراه، ويعرف مفتاح قلبه، ليمتلكه، ويدعه يدور في فلكه، ليجذبه إلى الفكر الإسلامي، ويقنعه به.. لسهولة أسلوبه وجاذبية شخصيته..ونكمل غدا..
الجريدة الرسمية