رئيس التحرير
عصام كامل

"البرادعي" يفتح النار على "مرسي" و"العسكر" و"الجماعة": الإخوان سرقوا ثورة الشباب.. المشروع الإسلامي "خدعة".. المجلس العسكري "جاهل".. "مبارك" أتاح حرية الإبداع والعقيدة.. وهذه حقيقة جريمة "رفح"

الدكتور محمد البرادعي
الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور

الإخوان سرقوا الثورة.. مبارك ترك حرية الإبداع والعقيدة.. وهناك فرق بين إسرائيل واليهود.. حوارات مرسي "ديكور المشروع الإسلامي" خديعة.. خلافات بين مرسي والإخوان.. المجلس العسكري جاهل.. الإخوان قالوا: مرسي هيكمل فترة تانية.


فتح الدكتور محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني، النار على النظام الحاكم، بقيادة الرئيس محمد مرسي، وأيضًا جماعة الإخوان المسلمين، مصوبًا سهام النقد بأشد العبارات، إلى مؤسسة اتخاذ القرار بقصر الرئاسة بالاتحادية، والمركز العام للإخوان بالمقطم.

"البرادعي" الذي اقترب يومًا من الإخوان، وتحديدًا في 2010، عندما أنهى مهمته بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحالف مع "الجماعة" فيما يسمى بالمطالب السبعة للتغيير في مصر، قبل الثورة بنحو عام، اتهم الإخوان بسرقة الثورة، بالتعاون مع المجلس العسكري السابق، الذي سهل لهم المهمة، حسب تعبيره .

وأكد "البرادعي" في الحلقة الأولى من حواره لصحيفة "الحياة اللندنية" في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، أن مفاصل الدولة المصرية تتآكل، بعد نحو عام من حكم الرئيس مرسي، محذرًا من الغضب الشعبي، في المظاهرات المرتقبة، نهاية الشهر الجاري.
وفيما يلي نص الحوار..

> هل أنت قلق على مصر؟
- قلق تمامًا... الرؤية غير واضحة.. البلد منقسم.. أصبحنا مجموعة من القبائل المتناحرة، للأسف جزء من العالم العربي أو جزء من الثقافة السائدة في العالم العربي هو أن نبحث عمّا نختلف عليه وليس عما يجمعنا.

مفاصل الدولة تتآكل بطريقة ربما تكون غير ملموسة، لكنها تتآكل يوميًا، سواء من ناحية الأمن أو الاقتصاد أو التفكير العقلاني، أو من ناحية إدارة الدولة، أو القيم والأخلاق، وهذه أكثر نقطة تقلقني اليوم، غياب العقل والقيم، وهذا ورّثنا عقودًا من الحكم الاستبدادي.

أكبر تحدٍّ بالنسبة إلينا هو عودة الوعي والقيم التي كانت موجودة في مصر والعالم العربي وأصبحت اليوم عملة نادرة، كما أن هناك غضبا شديدا لدى الشباب الذي قام بالثورة لأنه يشعر أنها سُرِقت منه، أو أن الأمل أو حلمه سُرِق منه، هو كان يحلم بمستقبل، هناك حالة غضب وإحباط لدى هؤلاء الشباب الذين يشكّلون 60% من الشعب المصري وهم دون سن 30 سنة. 

الثورة قامت لأسباب مختلفة، ولتحقيق الحرية السياسية، غالبية الشعب المصري ثارت لتوفير الحاجات الأساسية، الحق في المأكل والعيش والكرامة والتعامل الإنساني، هؤلاء يشعرون الآن بأن النظام ذاته استمر ولكن بنكهة دينية أو ما يُطلق عليها نكهة دينية.

> مَنْ سرق الثورة؟
- سرق الثورة بالطبع «الإخوان المسلمون» ومَنْ معهم ممن يطلقون على أنفسهم اسم التيار الإسلامي، الثورة قامت من أجل حرية وعدالة اجتماعية، ولم يكن الدين سببًا من أسبابها، كما لم يكن سببًا للانقسام في مصر.. كانت هناك تفرقة طائفية بين المسلمين والأقباط، لكنها حالات وأحداث نحاول التغلب عليها، وكنا نضع مشاكلنا «تحت السجادة»، إنما لم تكن تلك الأمور سببًا لقيام الثورة.

ماذا كان هدفكم قبل الثورة وبعدها؟
- في الثورة كان هدفنا وخطتنا كيف نتخلص من مبارك، كان يوحدنا هدف واحد، وبعد الثورة طغت نشوة النصر عند الشباب، كل منهم تحوّل إلى بطل ثوري وبدأ يقول أنا يسار أو يمين ووسط، والنخبة السياسية كما يطلق عليها انقسمت كما الحال في العالم العربي، وغاب وسط كل ذلك الهدف العام للثورة، وهو بناء مصر قائمة على العقل والحداثة والتنوير، لتحقق الحياة الكريمة لـ 40 أو 50 في المائة من الشعب المصري ممن يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، ولثلث الشعب الذي لا يقرأ ولا يكتب، ونصف الشعب الذي لا يملك تأمينًا صحيًا ولا علاجًا ولا ضمانًا اجتماعيًا، كل ذلك لم يتحقق، بل على العكس وجد كل هؤلاء أن الأمور تسير إلى أسوأ.

> كيف ذلك؟
- على صعيد الوضع الاقتصادي، هناك اليوم 3 ملايين شاب عاطل عن العمل، حتى الأمل غير موجود، الأمل هو الحلم الذي أصبح مفقودًا لدى الشباب والطبقة البسيطة وحتى الطبقة المتوسطة.. والطبقة العليا التي تُحرّك الاقتصاد، لأن الكل خائف لأسباب مختلفة.. أيام مبارك كان هناك استبداد وقمع سلطوي، ولكن على الأقل تُركت خارج الإطار السياسي حرية للإنسان للإبداع والعقيدة، خلافًا لحرية التعبير والحرية السياسية التي ووجهت بالقمع.. اليوم هناك من يتحدثون عن أن "الباليه" حرام، وأن أفلام السينما يجب أن تقتصر على الذكور وألَّا تظهر فيها النساء... وأن الموسيقى حرام، والديمقراطية فكرة ظلامية من أيام الإغريق.. كذلك هناك إنكار لحقائق تاريخية، غضبوا مني حين قلت:" إن هناك ما يسمى «الهولوكوست» أو المحرقة. سواء اتفقنا أو اختلفنا، هذه حقائق تاريخية، وهناك فرق بين إسرائيل واليهود.. نحن نعيش فكرًا ظلاميًا، لذلك أنا قلق، خاصة أن هناك مشكلتين نواجههما اليوم هما سيناء وإثيوبيا.

> ما مشكلة سيناء؟
- المشكلة جزء من انعدام الشفافية والمصداقية، وكي أحدد المشكلة لابد أن أعرف الحقائق، ولكن أحدًا لا يعرفها، إلا ما نعلمه من الإعلام..
في شمال سيناء منطقة خارجة عن السيطرة، ومجموعات من الجهاديين والتكفيريين، عددهم يتراوح بين 10 آلاف و15 ألفًا، والسؤال هو: هل سننتقل إلى "وزيرستان وقندهار"؟ 16 شخصًا (جنديًا) ذُبحوا منذ عام ولم تنته التحقيقات بعد، ولم نعرف مَنْ وراء الحادث، وأعتقد بأن الرئيس مرسي قال الأسبوع الماضي أن من الأفضل ألَّا نكشف حقيقة مَنْ وراء الحادث، هل هذه إدارة دولة؟ لا شفافية لمعرفة ما يحدث في مصر، وأحيانًا يقال:" إن القتلة ستة، وإن إسرائيل قتلتهم"، هذا الكلام منذ سنتين.

هل لديك معلومات خاصة في هذا الشأن؟
- ما أعرفه من المصادر الرسمية في الاستخبارات أن أحدهم كان يرتدي حزامًا ناسفًا وفجّر اثنين منهم، لم نقل ذلك للشعب المصري.. منذ أيام مبارك كانت هناك خلافات وجماعات جهادية، وتعامل أمني فظ مع قبائل سيناء.. تسمع أن سلاحًا جاء من ليبيا إلى سيناء، هناك تجارة الأنفاق، قبل 3 أو 4 سنوات قلت:" إن هذه الأنفاق لابد أن تنتهي ونقيم منطقة للتجارة الحرة في رفح، لأن من حق شعب غزة أن يأكل ويشرب طبقًا لأي قانون ولا يمكن لأحد أن يعترض على مثل هذه المنطقة على مساحة كيلومتر مربع أو اثنين، فيدخل أهل غزة ليشتروا ما يريدون، وفي هذا مكسب للطرفين"، ولكن ليس هناك خيال أو إبداع، أو حتى تفكير عقلاني. 

يُقال أحيانًا إن القوات المصرية المتواجدة (في سيناء) نتيجة اتفاق "كامب ديفيد" ليست كافية، ويتركون هذا الانطباع لدى الناس، لكنني أعرف من مصادري أن إسرائيل تسمح لمصر منذ مدة بـ (نشر) 8 كتائب إضافية خارج إطار المعاهدة للمساعدة في (ضبط أمن) سيناء، لأن إسرائيل ليست لها مصلحة في أن تتحول سيناء بؤرة.. فهل هذا كله نُوقش ووُضع على الطاولة لنعرف الحقيقة وكيفية العلاج؟ هناك صمت تام من جانب رئاسة الجمهورية والجيش والاستخبارات، وفي النهاية يدعو الرئيس إلى حوارات هزلية مذاعة على الهواء لمناقشة الأمور في سيناء.. طبعًا أنا وكثيرون رفضنا لأننا لا نقبل بأن نكون جزءًا من ديكور.. كي أشارك في حوار يجب أن أعرف الحقائق، بالتالي أستخلص نتيجة وفكرة وأشارك في إبداء رأي، وما يحصل يدلّ على غياب فهم تام لكيفية إدارة الدولة.

> هل تتخوف من تفكك مصر؟
- مصر إلى حد كبير كانت متجانسة، لا توجد اختلافات عرقية كبيرة، هناك النوبة وسيناء، أقباط ومسلمون، إنما حين نقارن أنفسنا بدول أخرى نجد أن تركيبة مصر أكثر انسجامًا، وربما لا يكون ذلك في المدى البعيد من الأشياء الطيبة، لأن الدول الأكثر تعددية هي الأكثر تسامحًا.. دائمًا أعطي مثلا بـ"دبي"، فيها جنسيات وأديان مختلفة لكنهم يجلسون مع بعضهم بعضًا، ويكتشفون ألا فرق بين الإنسان والإنسان بغض النظر عن الدين أو العقيدة.

ماذا عن المشروع الإسلامي؟
- في الدول العربية بعد الثورة، بدأوا يخلقون صدامًا، ويتحدثون عن مشروع إسلامي.. هذا المشروع ما زال خديعة، فلسنا في عصر الفتح الإسلامي، و90 في المائة من الشعب المصري مسلمون، وكونك تدّعي أن هناك مشروعًا إسلاميًا نقول إننا لسنا دولة كافرة.. هو يلعب على عقول البسطاء، سنعود إلى العصر الذهبي، بالتالي الناس اكتشفت ألا شيء حدث.. كيف أعالج عجز الموازنة؟ الحل ليس موجودًا في المشروع الإسلامي.. كيف أصل إلى التعليم الجيد؟ الإسلام هو قيم لا تختلف ويجب ألَّا تختلف عن القيم المتعارف عليها حاليًا؛ القيم الإنسانية.. أول آية في القرآن: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ اْلأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ». 

القراءة والكتابة في أول آية نزلت في القرآن على النبي، والآن لا أحد يتكلم عن المصريين الأميين، لا أحد يتحدث عن الفارق الرهيب في الدخول.. يتحدثون عن قشور، عن المرأة.. وهل ترتدي الحجاب أم لا، عن تطبيق حد الحرابة.. هذا هو ما يعتبرونه المشروع الإسلامي.. أنا قلق على مصر، لأن هناك رد فعل عنيفًا ضد ما يقولون إنه مشروع إسلامي.. لم يتغير شيء، وإنما زادوا عليه أن رئيس الجمهورية يصلي الجمعة.. شيء جيد أن يصلي الرئيس الجمعة في المسجد، إنما الناس تريد أن تأكل وتشرب وتريد سكنًا.

> تقصد أنه لا يكفي أن يصلي الرئيس الجمعة؟
- إطلاقًا.. قلت مرارًا إن هذا أمر طيب، لكنني طلبت أن يذهب إلى منطقة عشوائية ليرى كيف يعيش الناس تحت مستوى أقل من الآدمي، والقاهرة نصف سكانها يعيشون في «عشوائيات».. مستوى المعيشة هناك أقل من المستوى الآدمي، ونتحدث هنا عن 5 ملايين مواطن هم نصف سكان القاهرة تقريبًا، يقيمون إلى جانب آخرين مستوى معيشتهم مرتفع، والفارق الاجتماعي رهيب.

> تحدثت أيضًا عن قصة إثيوبيا كنموذج للمعالج؟
- إثيوبيا كدول حوض النيل، من حقها المشروع استخدام مياه النيل في الكهرباء والزراعة.. أواخر القرن التاسع عشر، كان هناك العديد من الاتفاقيات التي أبرمتها إنجلترا بالنيابة عن مصر التي كانت تحت الاحتلال، أُبرمت بين مصر والسودان، اللَّذين لديهما 90 في المائة من مياه النيل، كدولتي مصب، ويستخدمان هذه النسبة، فيما الدول الأخرى تعتبر تلك الاتفاقيات مجحفة، وأنها عُقدت تحت الاحتلال.. هناك اتفاقية دولية مصر جزء منها، تسمى «توارث الدول» ولا تلزم الدولة بأي اتفاق إذا عُقِد وهي محتلة، وهذا ما يدفع به بعض الدول، مثل أوغندا وإثيوبيا.. وهناك اتفاقية أخرى خاصة باستخدام الأنهار، وكلها تشدّد على أن يكون الاستخدام عادلًا ومتساويًا، وألَّا يُلحق ضررًا بدولة لمصلحة أخرى، وأن يكون هناك إخطار مسبق.. هذا جزء قانوني مهم، ولابد أن نبحث عن حل.

> وما الحل من وجهة نظرك؟
- هذه المشكلة قائمة منذ عهد مبارك، والموقف القانوني ليس بهذه السهولة، إذ هناك حجج لمصر وأخرى تعادلها من الدول الأخرى، فضلًا عن النواحي الفنية، كأن تستفيد كل دول حوض النيل من مياهه باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتحلية المياه، وترشيد الري للزراعة... فهل قمنا بأي من هذه الدراسات في السنوات الماضية؟ إطلاقًا.. تسمع اليوم كلمات متعارضة تمامًا من المسئولين والفنيين: هذا السد (سد النهضة الإثيوبي) سيضر بنا، السد لن يضرّ بنا... والنتيجة اجتماع وحوار مخزٍ لرئيس الجمهورية مع الشيوخ والقساوسة وبعض ممن يطلقون على أنفسهم صفة سياسيين، شكّل إهانة لكل الشعوب الأفريقية وكل الدول الأفريقية المطلّة على حوض النيل بلغت حد العنصرية، حين يقول أحدهم هذه مجتمعات مهترئة، ونحن لدينا تاريخ وتراث.. الأفارقة دائمًا يعتبرون أن مصر تنظر إليهم نظرة استعلاء، فيها شيء من العنصرية، وهذا الحوار زاد هذا الكلام.. أنا اضطررت لأن أغرّد اعتذارًا للشعبين الإثيوبي والسوداني.. تحدثوا (في مصر) عن إجراءات عسكرية، عالم خالٍ من الفهم، لا أعرف كيف يفكرون.. لو استخدمت مصر اليوم القوة العسكرية، العالم كله سيقف ضدها، بما فيهم أفريقيا.. لا يمكن أن تقول سأستخدم القوة في خلاف فني قانوني تقني حول استخدام مياه نهر.. أن تقول وتتصرف كدولة استعمارية وتقول هذه حقوقي التاريخية وإذا مس بها أحد سأستخدم القوة، وهذه شعوب مهترئة، فذاك مثال للانحطاط الفكري والأخلاقي الذي وصلنا إليه في إدارة الدولة.

> هل فشل الإخوان؟
- «الإخوان» فشلوا بامتياز.. أحد قادتهم قال لي حين كان هناك حوار بيننا:" أن ليست لديهم خبرة، لأنهم حُرموا 60 سنة من أي فرصة لاكتساب خبرة عملية، ولم يشغلوا أي وظائف باستثناء التعليم الجامعي في الأقاليم".

لا أفهم كيف وصلوا إلى هذه الدرجة من السذاجة السياسية، أن يتصوروا أنهم سيحكمون مصر بلا شريك، في ظل عدم وجود كوادر مؤهلة لديهم.. حتى لو كانت عندهم كوادر، فـ«الإخوان» كلهم 700 ألف والمتعاطفون معهم مَنْ صوّتوا لمحمد مرسي في أول مرحلة 5 ملايين، ومصر 90 مليونًا.. الشريك يشكّل الغالبية العظمى من الشعب، وحتى لو أضفتَ إلى «الإخوان» السلفيين وغيرهم فهم لا يشكلون أكثر من 25 - 30 في المائة من الشعب المصري.. هناك 70 في المائة من الشعب يملكون كفاءات، معظمها لدى الشريك الآخر، فكيف توصلتَ إلى إقصائه، بل كذلك أن تحاول أن تفرض عليه قيم فهمك أنت للإسلام.. أقول هذا فهمك للمقدس وليس المقدس، وأخالفك تمامًا في كثير من فهمك لأنه قاصر. 


> معنى ذلك أن «الإخوان» والتيارات الإسلامية يحاولون تغيير روح مصر وهذا يصيبها في السياسة والثقافة والفن؟
- تمامًا وفي كل شيء، لذلك ما يُطلق عليه الآن «تمرُّد» هو تمرُّد على محاولة تغيير روح مصر.. روح مصر الاعتدال والوسطية والتسامح والفكر المستنير والفنون.. روح مصر هي طه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ.. هي السينما المصرية.. عبد الرزاق السنهوري.

> هل تخشى ألَّا تُنجب مصر بعد حكم «الإخوان» "نجيب محفوظ" جديدًا؟
- لا... أعتقد بأن هذه فترة وسنمرّ بها.. فترة الشعار البرّاق أن لدينا مشروعًا ونحمل الخير لمصر وأن المشروع الإسلامي هو الحل.. ربما فترة صعبة يجب أن نمر بها، كي لا يحدث لنا ما حدث في الجزائر.. زعيم تونسي كبير لا أريد أن أذكر اسمه، قال لي أن من الجيد أن نمر بذلك كي يعرف الشعب حقيقة هذا الأمر، وأن المشروع الإسلامي الحقيقي هو القائم على العقل والمنطق والحداثة والعدالة والوسطية.. نحن في فترة صعبة لكنني أعتقد بأنه من الضروري أن نمر بها لنبدأ فعلًا عصر نهضة قائمًا على عقيدتنا وقيمنا الحقيقية، لنلحق بركب الحضارة الإنسانية.. اليوم وضعنا أنفسنا كما لو كان الإسلام في صدام مع الحضارة الإنسانية، وهذا شيء مفزع.. الإسلام كان بداية الحضارة.

> من يحكُم مصر الآن، "مرسي" أم مكتب الإرشاد؟
- لا أعلم، إنما الدلائل تشير إلى أن مكتب الإرشاد هو جزء أساسي من عملية الحكم.. أعرف أن جميع المبعوثين الأجانب الذين جاءوا إلى مصر أخيرًا كانوا يقابلون محمد مرسي وخيرت الشاطر، نائب المرشد، والجميع يعرف أن هناك خلافات بين الرئاسة ومكتب الإرشاد، وهناك الصقور والحمائم داخل المكتب.. في النهاية السؤال هو كيف يُتَّخذ القرار ومَنْ يتّخذه وعلى أي أساس، وهل مَنْ يتّخذ القرار على علم بما يحدث في العالم؟
لقد أزعجني تمامًا ما حدث مع إثيوبيا.. نحن نعيش في عالم من الغيبوبة، لا نعلم كيف يُدار العالم، كيف يمكن حل مشاكلنا، كيف يمكن استخدام القوة، وكيف يمكن استخدام العلوم والتكنولوجيا لحل المشاكل.. انفصلنا عن ركب الحضارة، نحن والعالم العربي.. نحن في العالم العربي 400 مليون نصدّر إلى الخارج ما تصدّره سويسرا وسكانها 8 ملايين.. اليونان كذلك 8 ملايين، تترجم إلى اليونانية ما يترجمه العالم العربي إلى العربية.. ترجمنا في ألف سنة منذ الخليفة المأمون في القرن التاسع، ما ترجمته إسبانيا في سنة واحدة.. أُعطي هذه الأرقام وكلّي حزن وخجل وأسى.. نتكلم ونسمع شعارات، هذه أرقام وحقائق.. من دون علم وفهم وعقل وتعليم وحداثة وتكنولوجيا، لسنا موجودين.

> ماذا تريد «جبهة الإنقاذ» من (30 يونيو)؟
- تريد انتخابات رئاسية مبكرة.. النظام فشل ولا يهمنا إن كان من «الإخوان» أو نظامًا يساريًا أو يمينيًا.. نود أن نرى نظامًا يضمن بداية تحقيق أهداف الثورة، وأن يكون لكل إنسان ما يكفيه ليأكل ويشرب ويعيش بحرية وكرامة... نظامًا ديمقراطيًا يتداول السلطة، وكل هذا غير موجود.. بعد سنة (على رئاسته) حان الوقت ليقول "مرسي" للشعب أنه فشل.. هذه الحركة يتصدّرها الشباب الغاضب الذي سقط حلمه، بالتالي لابد أن تكون هناك انتخابات رئاسية مبكرة لإيجاد نظام مختلف، يستطيع أن يحمي أرض سيناء، وأن يحل مشاكلنا بالأسلوب السلمي، ويتيح عودة مصر كقاطرة للحضارة.. مصر، بالتالي العالم العربي، ما إضافتها للحضارة الإنسانية اليوم؟! أصبحنا طرفًا مهمّشًا في كل مجال، العالم كان ينظر إلينا نظرة شفقة «ارحموا عزيز قوم ذلّ»، والآن ينظر إلينا نظرة غضب إذ أصبحنا نصدّر إليه التطرف، بتنا عبءًا على العالم.

> المعارضة تعدّ لتظاهرات سلمية، فهل يلتقط "مرسي" هذه الرسالة؟ 
- التقيتُ مسئولا من «الإخوان» وسألتُه هل سيكمل "مرسي" ولايته؟ فأجاب: وسيُنتخب لولاية ثانية.
هذا نوع من العناد الذي عانينا منه منذ تولى «الإخوان» الحكم.. مَنْ مهّد لهذا الأمر الذي أدى بنا إلى طريق مسدود؟ إنه المجلس العسكري حفظه الله، نتيجة جهل بكيفية حكم البلاد، والخوف على مكتسباتهم والخوف من ابتزاز «الإخوان المسلمين» لهم.. مهدوا (أعضاء المجلس) للأمر وجاء بعدهم «الإخوان» ليحوّلوا "مرسي" إلى فرعون جديد، يتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأقصى السلطة القضائية.. ومع ذلك العناد، كل هذا يحدث كما لو أن الرسالة لا تصل.. آمل أن تصل الرسالة قبل (30 يونيو)، وركزنا دائمًا على أن تكون سلمية لأن الشعب المصري لا يتحمّل هذا الانقسام والصراع بين الإسلام السياسي وباقي الشعب.. خلقنا مشكلة، بدلًا من أن نركّز كيف نعمل معًا للتعليم وللصحة والاقتصاد.. خلقنا مشكلة، «المسلمون والكفرة» التي قسّمت الشعب، وما أراه ليس تعبيرًا عن دين، بل عن غضب.. والشعوب عندما تغضب، أحيانًا تصب غضبها في أشكال متعددة، في اختلاف في اللغة، اختلاف العرق والدين، ونحن استعملنا الدين كغطاء للاختلاف، ولكن لا يوجد هذا الاختلاف إطلاقًا.

ما رأيك في المشايخ؟
- اليوم هناك مشايخ يقولون أن الشيعة أسوأ من اليهود، ولكن ألا نذهب إلى الحج معًا كتفًا في كتف، السني والشيعي؟! أصبحنا نتحدث في عالم من الغيبوبة العقلية والفكرية التي يحرّكها الغضب، والأخطر اليوم أن كل فرد يشعر بأنه أصبح حرًا بعد الثورة، حاجز الخوف كُسِر، وهناك طموحات غير عقلانية أحيانًا في غياب إطار دولة توجهها.. اليوم تجد حوادث متكررة في محافظات مختلفة لتطبيق حد الحرابة، يطبّق الناس القانون بأنفسهم، يعلّقون آخرين على الأشجار ويسحلونهم... فهل هذه مصر ذات المؤسسات العريقة؟! كنا في الأربعينيات والخمسينيات نمتلك نخبة تعادل أي نخبة في أي من دول العالم.!!
الجريدة الرسمية