رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحليم حافظ يكتب: طفولة حزينة

الفنان الراحل عبد
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ

فى مجلة صباح الخير عام1977 وفى مذكرات العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ التى كتبها العندليب بنفسه ـــ ولد فى مثل هذا اليوم 21 يونيو 1929 عن طفولته كتب يقول: أحكى عن اليوم الأول فى الملجأ وكنا فى شهر أكتوبر والبرودة شديدة وذهبت إليه بناء على أوامر مدرس الموسيقى فى مدرستي الابتدائية محمود حنفى بسبب أنى جريت وراء طفل لأنه خطف منى صباع العسلية الذى اشتريته بمليم أخذته من أختى علية.  

فى هذا اليوم كان هناك عسكرى بالمعاش معين فى الملجأ يشرف على اليتامى وأبناء الفقراء وكانت له كلمة خالدة أن الضرب فى هؤلاء الأطفال له ثواب كبير عند الله ، كان يترصدنى وكنت أخاف منه كثيرا . كان يتابعنى حتى على طاولة الطعام وكنت آكل بخوف حتى لا أعود إلى بيت خالى وأنا جائع ، وكنت انكسف من أن يسألنى أحد: أكلت ولا جعان ، ظل هذا الخوف معى إلى أن كبرت.. لكنى فى كل الأوقات كنت أحس بالشبع والحموضة ، وأقصى ما كنت أطلب لقمة ناشفة وحتة جبنة بيضاء ولا أحد يستطيع أن يميز لون أو شكل أو طعم أكل الملجأ ، يكفى أن أقول إن الأرز كان لونه بنيا أو أسود قليلا.

وأضاف: “رأيت حضرة العسكرى على باب الملجأ ، ورأيت الولد الذى خطف منى العسلية على الباب أيضا ، هذا الولد كان يعمل بعد الظهر فى محل بقالة يمتلكه شقيق العسكرى وتحرش بى الولد فخفت منه لكنى ضربته بكل القوة الموجودة فى جسدى وألقيته أرضا وهنا شدنى العسكرى من قميصى وصفعنى على وجهى وركلنى فى ساقى ، لكنى لم أبك ، وبينما أحجل بقدمى بعيدا عنه شاهدت ريالا عليه صورة السلطان حسين كامل ملقى على الأرض فكان أكبر مبلغ ألتقيته فى طفولتى عام 1937 ، تخيلت أنى يمكنى به شراء كل شيء ، المهم ارتبطت صورة النقود فى رأسى بالألم بحضرة العسكرى الذى ضربنى ويرى أن ضرب اليتامى فيه ثواب كبير”.

وأوضح: “لو خيرونى بين أن أكون مطربا أو أى مهنة أخرى لاخترت لنفسى مسئولية إنسان يوجه التعليم بلا ضرب.. وأنا أكره جدا منظر جسد طفل صغير بين برائن رجل ضخم يضربه ، لم أقرأ كثيرا فى التربية ولكنى لا أؤمن بضرب الحيوانات فكيف أؤمن بضرب طفل.

عندما كنت أطلب كراسة أو أى شيء كنت أحس أننى أحمل هما كبيرا ، فالبيت بيت خالى وأختى تجلس عنده وليس لنا أى مورد مالى وإسماعيل شقيقى موظف فى الصحة ويهوى الغناء ، الفلوس شكلها حلو ولكن لا نعرفها وأى طلب معناه نثقل على الناس اللى إحنا عندهم ضيوف.

كنت أسير فى الطريق من الملجأ إلى بيت خالى أفاجأ فى معظم الأوقات بنقود فى الأرض قرش أو نصف فرنك فكانت سندى لشراء الحلوى ، وكنت أختار يتيما مثلى لأعطيه قطعة من الحلوى.

توفيق الحكيم يعتذر لـ"عبد الحليم حافظ" بعد رحيله

 

وتابع: “كنت أنال مكافأة شبه سنوية على العزف فى غرفة الموسيقى بالملجأ وفى حفلات الملجأ التى كان أسوأ ما فيها معاملتنا كخدم فى الملجأ لدرجة أن بعض العاملين بالملجأ كانوا يختارون الأطفال الذين ليس لهم أهل للعمل خدم لديهم.. ولعل هذا هو السر فى أنى لم أشخط يوما فى خادم عندى فكنت أقرأ القرأن الكريم وأحمد الله عز وجل أن لى خال وأخت وأخ لكن ينقصنا الأب والأم” . 

الجريدة الرسمية