بعد 40 عامًا من التفاوض مع إيطاليا.. اليونان تقطع يد أردوغان في "المتوسط" بسكين "اتفاقية البحر الأيوني".. وترسيم الحدود رد قانوني حاسم
«الحماقة».. الوصف الأمثل الذي يمكن استخدامه للحديث عن تحركات وقرارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بإدارته للملفات الدولية ومن بينها عمليات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط والتي لم يرع فيها حقوق الدول المجاورة له.
بلطجة دولية
ويواصل انتهاك سيادة تلك الدول بين الحين والآخر بما استدعى وضع إستراتيجية إقليمية تكبح جماح أردوغان وأطماعه في المتوسط وتضمن حقوق الدول في ثرواتها الطبيعية التاريخية بما يكفل وقف البلطجة الدولية ووضع أسانيد قانونية لوقف أي تحركات مشبوهة تقبل عليها تركيا.
ومنذ أيام وقَّع وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس ونظيره الإيطالي لويجي دي مايو اتفاقية لترسيم حدود البحر الأيوني الذي يفصل بينهما يشمل أن يكون للجزر اليونانية في البحر المتوسط مناطق اقتصادية خالصة يمكن الوقوف عليها لمواجهة الانتهاكات المتكررة من جانب تركيا باستغلال الاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج في نوفمبر 2019 ولم يوافق عليه البرلمان الليبي بهدف إنشاء منطقة اقتصادية تمتد من ساحل تركيا الجنوبي على المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي.
اتفاقية يونانية إيطالية
الاتفاقية (اليونانية – الإيطالية) بحسب مراقبين تؤكد حق البلدين في امتلاك مناطق بحرية وتمهد الطريق أمام اليونان وإيطاليا لاستكشاف الموارد البحرية واستغلالها كما تمهد الطريق إلى عقد اتفاق مماثل بين مصر واليونان وهو ما سبق وأن تحدث عنه وزير الخارجية اليوناني في وقت سابق بشأن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يرفع أي شرعية لاتفاق أردوغان والسراج.
وقال وزير الخارجية اليوناني: إن «الأمر استغرق 40 عامًا للتوقيع على الاتفاق مع إيطاليا»، والآن تمتلك اليونان منطقة اقتصادية حصرية تؤكد تصور الخط الأوسط وتأثير الجزر الذي يؤكده القانون الدولي المتمثل في ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار.
يذكر هنا أن تركيا تسببت على مدار سنوات في العديد من الأزمات مع كل من قبرص واليونان بسبب نهب أنقرة لاحتياطيات الغاز الطبيعي بالقرب من قبرص التي تحتل تركيا نصفها الشمالي وهي نقطة خلاف متكررة وشرعت تركيا في استعراض القوة عبر إرسالها سفن تنقيب إلى المياه القبرصية رغم التحذيرات شديدة اللهجة التي أطلقتها واشنطن والاتحاد الأوروبي ومصر.
ويترتب على الاتفاقية الجديدة العديد من التداعيات خاصة بالنسبة لليونان التي بدأت في بناء علاقات وثيقة مع دول البحر المتوسط والتي ترفض البلطجة التركية في المتوسط مثل قبرص وفرنسا ومصر بالإضافة إلى أن جذب إيطاليا إلى جانب الموقف اليوناني من تركيا يشكل أهمية كبرى وبادرة يمكن البناء عليها لإدانة تركيا فيما بعد بشأن مواقفها من دعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة.
قطع يد تركيا
وأيضًا توجيه رسالة قوية إلى تركيا مفادها أن تعاظم الغرور والأطماع في المنطقة سيواجه بمواقف حاسمة من دول كبرى ولم تتوقف التحركات اليونانية عند الاتفاقية لكنها أبدت مواقف فاعلة في مواجهة تركيا واعترضت سفينة تابعة للبحرية اليونانية المشاركة في عملية «إيريني» البحرية الخاصة بضمان تنفيذ قرار حظر تصدير السلاح المفروض على ليبيا ، سفينة شحن تركية يشتبه في أنها محملة بالأسلحة والذخيرة قبالة السواحل الليبية.
كما أعلنت إيطاليا أيضا أنها سترسل فرقاطة وطائرتين لدعم قوات «إيريني» في مواجهة أي انتهاك للحظر المفروض وفي تعقيبه على هذه الخطوات قال الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام: إن «اتفاقية ترسيم الحدود بين إيطاليا واليونان تمثل ردًا قانونيًا حاسمًا على الزحف التركي البحري والبري في شرق المتوسط ، موضحًا أن إيطاليا لم تنس ما جرى في فبراير ٢٠١٨ حين خسرت ٣٠٠ ألف يورو يوميًا لثلاثة أسابيع بعدما طردت البارجات التركية حفار أيني من السواحل القبرصية إلى المملكة المغربية.
وأوضح أستاذ القانون العام أن «اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين الدولتين الجارتين في البحر المتوسط اليونان وإيطاليا هي ولادة لمخاض عسير دام أربعة عقود -تقريبا أربعين عاما- من المفاوضات والمشاورات الفنية المختلفة ، لافتًا إلى أن الاتفاقية جاءت استكمالًا لما أتفق عليه بين البلدين عام ١٩٧٧، فقد كانت الدولتان وقعتا اتفاقية لتعيين الجرف القاري».
ترسيم الحدود
كما أشار «سلامة» إلى أن أهمية تعيين الحدود البحرية بين الدول في تحديد الخط الفاصل بين سيادات الدول المتجاورة سواء كانت دول متقابلة مثل الحالة المصرية القبرصية أو دول متجاورة جوار ساحلي مثل الحالة المصرية الليبية تمثيلا أما اليونان وإيطاليا فدولتان ساحليتان متقابلتان وليسا متجاورتين.
وأكد أن الحقوق السيادية للدول في المناطق الاقتصادية الخالصة حقوق سيادية ليست نابعة من حق الملكية وتتمثل في اكتشاف واستغلال موارد الثروة الطبيعية الحية وغير الحية سواء كانت في المياه التي تعلو قاع البحار أو في قاع البحر وباطن أرضه لذلك خط الحدود الذي يتم تعيينه في اتفاقية تعيين الحدود وفقًا للإحداثيات البحرية الجيوديسية يحدد مجال أنشطة الدولة وسيادتها الوطنية وولايتها على بحرها الإقليمي.
ولكن اتفاقيات تعيين الحدود لتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة تحدد الحقوق السيادية لكلا من الدولتين كما هو الحال بالنسبة لإيطاليا واليونان في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما.
كما لفت إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يجازف بالمساس بالواقع القانوني الجديد ، وهو واقع قانوني كاشف وليس منشئًا أي إن هذه المناطق فعلا وقبل توقيع الاتفاق بين اليونان وإيطاليا تخضع لسيادة إيطاليا من جانب وأيضا سيادة اليونان من جانب آخر ومن ثم فلن يجازف أو يقامر الرئيس التركي بالمساس بالحقوق السيادية لأي من الدولتين سواء إيطاليا أو اليونان.
وتابع: أهم ما ورد في الاتفاقية التأكيد على حقوق الجزر اليونانية أن يكون لها المناطق الاقتصادية الخاصة بها فضلًا عن الجرف القاري أيضًا لها ، وهذه الحقيقة القانونية المؤسسة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام ١٩٨٢ ما فتئ أردوغان ينكرها وعلى أساس الإنكار التركي للواقع القانوني للجزر اليونانية أبرمت تركيا نوفمبر ٢٠١٩ الاتفاق الشاذ مع حكومة السراج في خرق فاضح لقواعد القانون الدولي للبحار.
نقلًا عن العدد الورقي...