التوزيع الجغرافى للصحفيين
أثبتت أزمة كورونا أن الاعتماد على قرارات المركز لا تصيب هدفا صحيحا، وأن القدرة على إدارة الأمور مقترنة بمعايشتها مباشرة على أرض الواقع.
بناء على هذا الرأى؛ يمكن أن ترصد أسبابا حقيقية لتفشي الوباء فى محافظات ومناطق بعينها؛ وغياب انتشاره فى أخرى، وعلى رأسها إرتباط الإدارة بالتعامل المباشر مع معطيات الأزمة وقياس الموارد المادية والبشرية المتاحة وحسن استغلالها.
الأمر كما ينطبق على حكومات ينطبق أيضا على كيانات مؤسسية مدنية ونقابية، خاصة إذا ما كانت وحدة الهدف والمصلحة والحقوق تجمع أعضائها تحت مظلة كيان واحد.
اقرأ ايضا: "الولاد والأرض".. توثيق إلكتروني لسير الشهداء
كثيرا ما كانت أصوات تشير إلى زيادة الأعضاء كدليل على قوة الكيان النقابي، فى مقابل أخرى ترى فرصة توزيع إمتيازات أكبر على الأعداد الأقل، وفى المنتصف لم يوجه الطرفان اهتمامهما إلى العنصر البشري ذاته ليتعامل معه كفاعل حقيقي فى بناء وحماية الكيان.
المسألة تفجرها إختلافات فى وجهات النظر حول وجود أو غياب آلية واضحة لإدارة أزمات الصحفيين فى ظل إنتشار كورونا، وقد هدد الفيروس مؤسسات صحفية بات بعضها يقتص من حقوق زملاء ماديا أو ينذرهم باحتمالات سيئة قد يترتب عليها قيام كثيرين منهم بالبحث عن أسباب جديدة للعيش.
ناهيك عن مشكلة حاضرة بتفاصيلها يوميا فى حياة الزملاء أنفسهم كبشر عاديين، يتألمون كغيرهم ويتجرعون مرارة الإصابة بالفيروس ويعيشون قسوة مواجهته، وربما يدفعون حياتهم ثمنا لإصرارهم على مواصلة دورهم فى رفع الوعى المجتمعى.
حسبة بسيطة يمكن معها لملمة أوراق قضايا معاصرة للصحفيين محشورة فى أدراج أو مبعثرة على مكاتب مجالس نقابية متعاقبة، لكن قضية استثنائية تفتقد للإثارة الآن إلى جانب حقوقهم واستحقاقاتهم تخص التنظيم النقابي ذاته، والذى لم تفلح مركزيته تماما فى توفير حماية أو تقديم دعم متواصلين للصحفي داخل محيطه المجتمعي فى زمن التباعد الإلزامي، وهى تعدد الأذرع النقابية والتوسع فى إنشاء فروع جديدة بالمحافظات والمدن، تضمن الوصول بالخدمات لكافة الأعضاء وعائلاتهم.
اقرأ ايضا: الهروب من القاهرة
الفكرة يمكن معها إحياء دور اللجان النقابية بمختلف أنشطتها واختصاصاتها، فدون عمل دءوب لأعضاء الجمعية العمومية ذاتهم داخل محيطهم المجتمعى؛ لن تكون هناك حقوق أو إمتيازات موزعة بعدالة، ولن يفلح قائم على لجنة أو نشاط مركزي بعينه فى تحقيق نجاح مكتمل يرضى ويلبى متطلبات الزملاء.
وأقترح أن تبدأ اللجان النقابية ذاتها بتشكيل فرق عمل متعددة لإدارة أزمات الزملاء ومشكلاتهم فى قطاعات وأمور مختلفة، على أن يراعى التشكيل تقسيما جغرافيا للأعضاء لا تستثنى منه محافظة مهما كان عدد الزملاء النقابيين بها، وهى فرصة أيضا لدمج غير النقابيين فى العمل التنظيمى قبل تمتعهم بعضوية الكيان المهني وتأهيلهم لمباشرة دور مجتمعي حقيقي لا ينفصل بالضرورة عن دورهم المهنى.
وقتها سنجد مائة كادر داعم لمقرر لجنة العلاج بالنقابة والذى أصيب بأزمة جراء تحامله على نفسه فى خدمة الزملاء، ومائة آخرين يعوضون غياب مقرر لجنة النشاط الذى أعلن إصابته بالفيروس قبل أيام، وعشرات من أصحاب الدور الخدمي ينشطون على غرار ما يسعى إليه وكيل النقابة لتوفير الآلاف من الأقنعة الواقية للزملاء، أو من يمتلكون علاقات جيدة تنجز إستحقاقات متأخرة عنا لدى قطاعات مختلفة وأهمها الصحي والمصرفي حاليا.
اقرأ ايضا: أم في مواجهة ابنتها الحاضن
وظني أن نقيبا مركزيا سيكون أكثر نشاطا إذا ما كثرت فروع إضافية للكيان، فيظهر معها فاعلون فى خدمة أعضائه بدلا ممن يحضرون ضيوف شرف على دورات إنتخابية داخل مجالس لم يقدرون ثقة الجمعية العمومية فيهم لتحريك المياه الراكدة من خلالها للوصول بالزملاء كافة إلى بر الأمان.
أزمة كورونا فرصة حقيقية لدراسة فكرة إعادة النظر فى التوزيع الجغرافي للصحفيين والاستفادة بجهود الجمعية العمومية وأعضائها كافة فى مواجهة ستطول رغما عنا جميعا، نطرحها من منطلق إيماننا بضرورة تطوير الكيان النقابي ودراسة حالته الآنية وقياس قدرته على حماية حقوق الزملاء وخدمتهم بشكل عادل متساو، وإقتناعنا بأن يدا واحدة لن يصدر عنها صوت "تصفيق" مهما طالت قدرة أصابعها على "التطبيل".