رئيس التحرير
عصام كامل

"الهروب الكبير".. فضيحة عالمية في انتظار "الإخوان"‏.. انسحاب جماعي لـ"الأعضاء الأجانب".. وأسرار شبكات الفساد لابتزاز ‏أصحاب العيون الزرقاء ‏

شعار الإخوان
شعار الإخوان

رغم محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة جماعة الإخوان الإرهابية للصدارة ‏وتمكينهم من كل البلدان التي تدور فيها الصراعات وآخرها ليبيا حتى يضمن لنفسه ‏ولمشروعه السياسي ابتلاع عدد من البلدان العربية وتطويعها لخدمة العثمانية ‏الجديدة التي يمني نفسه بها.

 

انشقاق إخوان الغرب

إلا أن هناك فضيحة عالمية قد تهدم مشروعه عن آخره وستضرب التنظيم الدولي ‏في مقتل والذي يعول عليه الكثير للتأثير في القرار السياسي الأوروبي ‏المعادي له بالأساس.

وهي ظاهرة انشقاق إخوان الغرب والانسحاب الجماعي لأبناء الجنسيات الأوروبية من التنظيم بل وإصرارهم على كشف كواليس خيانة الجماعة للأرض التي تعمل عليها وتحذيرهم للغرب بكل السبل من الاستمرار في حماية ‏الإخوان.

 المصيبة التي وقعت على رأس الإخوان زادت بشدة خلال الأشهر الماضية بعدما انضم ‏العديد من الكوادر الإخوانية «أوروبية الأصل» وأعداد ممن جندتهم الجماعة ‏لمشروعها في أوروبا إلى مشروعات لمحاربة التطرف وعلى رأسهم برنامج التطرف ‏بجامعة جورج واشنطن المتخصص في فضح الشبكات الجهادية في الغرب وأنشطتها ‏المستوحاة من تنظيم الإخوان. ‏

والسؤال: لماذا أصبح إخوان ‏الغرب يهربون من الجماعة بشكل جماعي خلال الأعوام الماضية على وجه التحديد وأكثر من أي ‏وقت مضى؟

الإجابة تجعلنا نبحث في الأسباب التي يتحدث عنها المنشقون الذين ‏رصدهم برنامج جامعة جورج واشنطن وخبايا العالم المعقد للإخوان في الغرب ودوائرهم ‏المغلقة عند الانضمام إلى الجماعة نهاية بقرار تركها.

الإصلاح المزعوم‏

يكشف البرنامج على لسان المنشقين الذي يعملون معه عن بداية تشككهم في المشروع ‏الإصلاحي للإخوان بسبب استخدامهم المساجد كبؤر تجنيد للجهاديين الذين يذهبون إلى ‏مختلف البقاع الساخنة في المنطقة رغم ادعائهم في الإعلام عكس ذلك وعدم ارتباطهم ‏بالقاعدة أو داعش.‏

كان إخوان الغرب قد لاحظوا مستوى الاتصالات الإخوانية في جميع ‏أنحاء العالم مع الإسلاميين من التيارات الإرهابية وتسخيرهم لشبكة إخوان أوروبا وأمريكا ‏لخدمة هذه الأهداف الإرهابية على الرغم من الإخوان كانوا يسوقون لهم وجهات نظر ‏بغيضة تشككهم في أي مشروع ديني يختلف عن المساحة الفكرية والتنظيمية ‏التي يلعب فيها الإخوان. ‏

مراجعات 

بدأ إخوان أوروبا ومن خلال هذه الملاحظات على مدار السنوات الماضية وخاصة بعد إسقاط ‏الحركة الأم في مصر يراجعون الاتهامات المرتبطة بالحماعة والمخاوف التي انتابتهم من ‏هدم المجتمع الغربي بسبب حالة التوحش الإخواني في السيطرة على أكبر عدد ممكن من ‏المساجد ، وناقش بعضهم الآثار المترتبة على هذه التطورات التي حدثت في معظم الدول ‏الغربية بوقت متزامن على مدى السنوات العشرين الماضية.

يقول بيير دوراني وهو عضو سويدي سابق في جماعة الإخوان وصاحب كتاب فريد خرج ‏للنور مؤخرا للحديث فقط عن تجربة انشقاق الإخوان من أصول غربية أن الأفراد الذين ‏تركوا شبكات الإخوان المسلمين في مختلف البلدان الغربية عندما التقى بهم خلال رحلة ‏الكتابة عن المنشقيين الأوربيين عن التنظيم عرف من أغلبهم تفاصيل خطيرة وصلت بهم ‏في النهاية إلى قناعة فريدة بخطورة الإخوان ودفعتهم إلى مغادرة الجماعة. ‏

يوضح دوراني أن كل قصة لها خصوصياتها ولكن هناك بالفعل أنماط مشتركة بينهم جميعا ‏على رأسها الإحباط من الخلل والجهل الشديد المسيطر على الأمور التنظيمية والأيديولوجية ‏التي تحكم عمل الإخوان والأفكار المعبرة عنها. ‏

غياب الديمقراطية 

يؤكد دوراني أن إخوان الغرب وصلوا إلى قناعة تكشف افتقار الإخوان للديمقراطية على المستوى ‏الداخلي بسبب تطبيقهم الصارم للسمع والطاعة التي لا تعني بالنسبة لهم إلا "أغلق فمك ‏وأطع كجندي جيد لديه فن الخضوع للقائد الأكبر العظيم" ما يجعل كل القادة الصغار بالتنظيم يضعون "الولاء" قبل أي شيء آخر للتقدم إلى مناصب أعلى فيتنافسون ‏على الطاعة المفرطة والخرس أمام قادة التنظيم لإظهار الولاء لهم.‏

يبحث صاحب الكاتب مع أحد المنشقين ويدعى محمد لويزي وهو فرنسي الأصل، قضية أخرى ‏من أسباب الانشقاق الكبير بين إخوان الغرب، ويؤكد أن الفساد المستشري داخل التنظيم، ‏والمحسوبية والافتقار إلى الجدارة سبب تركه والكثير من الإخوان الفرنسيون للتنظيم بعد الانضمام إليهم بسنوات قليلة.

الفساد‏

يقول لويزي أنه كان مندهشا من السرية المفرطة في إدارة التنظيم بالغرب، ويتساءل: لو ‏السرية تتفق مع معطيات الجماعة في الشرق الأوسط، ما سببها إذن في الغرب ومع إناس ‏عقولهم لايناسبها هذا الانغلاق الذي يؤدي إلى التطرف المعتمد. ‏

ويعتبر إخوان الغرب المنشقون أن السرية بهذا المنطق عار عليهم، فهي ليست أكثر من ‏محاولة مكشوفة لإخفاء أجندات مظلمة لتدمير بلدانهم، بجانب أنه ضعف إستراتيجي كبير ‏وسلوك غير متزن يجعلهم لايغادرون التنظيم فقط، بل ويدعوهم إلى فضحه وكشف خطورته ‏لبلادنهم والعالم أجمع. ‏

هذه العيوب الكارثية في التنظيم، كانت دائما محط تساؤلات إخوان الغرب من أبناء البلدان ‏الأوروبية الذين أسلموا حديثًا، بعد أن زرعت فيهم بذور الشك والتوجس من طريقة عمل ‏الجماعة، ما دفعم للعمل بشكل جماعي والتعاون لفحص القضايا الأساسية المرتبطة بعقيدة ‏الإخوان التنظيمية. ‏

كشف بحث إخوان الغرب عن التمييز المتأصل في الإخوان والتحيز العرقي إلى العائلات ‏الكبيرة الذين يستحوذون هم وأبنائهم على كل شيء في التنظيم، وأغلبهم يتولى المناصب ‏القيادية بمعظم شبكات الإخوان مما يعني إن عالمية الجماعة وأستاذية العالم ليست أكثر من ‏‏"كلام فارغ" بحسب تعبير "لويزي". ‏

العالمية من وجهة نظر الإخوان هي الاستمرار الخفي في جهود أسلمة المجتمعات الغربية، ‏وتجنيد المسلمين الغربيين إلى رؤيتهم السياسية والدينية للعالم، فالغرب بحسب ‏منظرهم التاريخي يوسف القرضاوي "ساحة تدريب" يلعب فيها الإخوان بمنتهى الحرية دور ‏القيادة المفقودة في الأمة الإسلامية.

أسباب الانشقاق ‏

هذه الثغرات وغيرها بحسب المنشقيين، هي أهم أسباب المسارعة بترك التنظيم من ‏أبناء الغرب، الذين أصبحوا على علم بأن الجماعة لاتهدف إلا لحلبهم وتوفر المزيد من رأس ‏المال "المالي والسياسي" الذي يسمح لهم بتوسيع نطاق نفوذهم وتأثيرهم داخل المجتمع ‏الغربي بشكل كبير.‏

بحسب المنشقين، كان انضمام المسلمين الغربيون، يطمئن الحكومات الأوروبية إلى الإخوان ‏ويجعلهم يضعون إدارة كل جوانب الحياة الإسلامية في كل بلد على حده بيد الجماعة دون ‏غيرها، فيكلفونها بإعداد المناهج واختيار المعلمين للتعليم الإسلامي في المدارس العامة، ‏وتعيين الأئمة في المؤسسات العامة مثل الجيش أو الشرطة أو السجن، فضلا عن تلقى ‏الإعانات لإدارة الخدمات الاجتماعية المختلفة. ‏

استخدم الإخوان خطة تجنيد الغربيين لتمكينهم من أن يصبحوا هم الصوت الإسلامي الرسمي ‏في المناقشات العامة بوسائل الإعلام، كما يمكنه أبنائهم من "ذوى العيون الذرق" من الطعن ‏في القوى المتنافسة، خاصة بعد وصولهم للحكم في مصر وعدد من البلدان العربية التي ‏سمحت لهم بممارسة تأثير متزايد على السياسة الغربية في جميع القضايا المتعلقة بالإسلام ‏سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي‎.‎

تعامل التنظيم بانتهازية مع الأجانب الذين انضموا إليهم، ولهذا يسخر "دوراني" من ذلك ‏ويؤكد أن الجماعة اعتبرتهم ليسوا أكثر من "سذاجة ذات عيون زرقاء" يتصورن أنه ‏بإمكانهم خداعهم بحديثهم عن الاندماج، وأنهم الفصيل الإسلامي الوحيد الذي يسعى لإيجاد ‏طريقة تجعل الإسلام متوافقًا مع الغرب حتى يفتح الإسلاميون الغربيون خزائن أوروبا لهم.‏

يضيف: لم يعرفوا أن أصعاب العيون الزرقاء وصلوا إلى قناعة تؤكد أن التنظيم الإخواني ‏يحتقر المجتمع الغربي الخاص ويتقوت على عنصرية حقيرة ، تجعلهم يستخفون في أحاديثهم ‏الخاصة بالأفارقة الإريتريين والصوماليين وغيرهم من الإخوان "المصبوغين بالألوان" ‏المتخلفة عنهم على حد تعبيره بما يتناقض مع مشروعهم عن عالمية الإسلام.‏

يقول الإخوان المنشقون في فرنسا على لسان "لويزي" أنهم قبلوا لسنوات الادعاء الكاذب الذي قدمته بيئة ‏الإخوان لهم، وكان تزعم تمثيلها للمجتمع المسلم بأكمله، حيث كان الغربيون لا يملكون بحكم ‏اللغة وأشياء أخرى أي أدوات تمكنهم من فهم عالم الإخوان المعقد بشكل جيد قبل الخروج ‏بهذه الرؤية عن الجماعة. ‏

كان التنظيم يعرف جيدا ثقة الغربيين بـ"القيم"، فهم لا يحبون الازدواجية ويجدون صعوبة في ‏تصور أن شخصًا ما سيحاول خداعهم ، ولهذا سخروا كثيرا من اعتبار الإخوان لهم مجرد ‏سذاجة ذات عيون زرقاء كما وصفوها.

ولهذا وصلوا سريعا إلى قناعة بأن الإخوان ليسوا ‏صادقين بشأن تعريفهم لأنفسهم ، من هم وماذا يريدون ودوافعهم الحقيقية من تجنيد أبناء ‏الغرب بل ومن عملهم بالأساس في البيئة الأوروبية بهذه الطريقة التي تشبه أداء عصابات ‏المافيا. ‏

يكشف الإخوان المنشقون في الغرب عن واحدة من أسوأ صفات الإخوان ويؤكدون أنهم ‏تعلموا كيفية توظيف لغة حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية الثقافية لمصلحتهم دون أن ‏يقدروا تلك المفاهيم.

ابتزاز الغرب

من جهته ، يقول إبراهيم ربيع ، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية: إن الإخوان ومنذ أربعينيات ‏القرن الماضي وهم يحاولون بكل قوة نشر أفكارهم وابتزاز الغربيين من حديثي الإسلام ‏برؤيتهم المثالية للعالم ، مشيرا إلى أنهم خلقوا شبكة أخطبوطية في كل البلدان الأوروبية تخضع لسلطة الجماعة الأم ‏في مصر ولكنهم لم يهتموا بخصوصية التجربة وتفرد الفرد الغربي ، يضيف: كان كل ما ‏يهمم هو خلق شبكات مصالح تخدم على التنظيم الدولي ولهذا جعلوا في كل بلد نسخة ‏مشابهة من التنظيم المصري. ‏

ويؤكد ربيع أن ما حدث من الإخوان خلال الربيع العربي كان له بلا شك تأثير على شبكات ‏الإخوان الغربيين وجعلهم ينخرطون بقوة لبحث أسباب ما حدث للتنظيم في الشرق الأوسط ‏وشمال أفريقيا ما دفع كثير من المؤيدين الأجانب للجماعة وليس فقط الذي قرورا الانفصال ‏عنها إلى إنهاء دعمهم لها بعدما فقدت جاذبيتها المغناطيسية الكاذبة التي كانت تمارسها ‏على الكثير منهم على حد قوله. ‏

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية