جاسيندا أرديرن تلهم العالم ثانية
ألهمت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، العالم للعام الثاني على التوالي، إذ أعلنت القضاء على فيروس كورونا وعدم تسجيل أي حالة نشطة، وقررت رفع آخر القيود من تباعد اجتماعي وإغلاق الاقتصاد مع الإبقاء على عدم فتح الحدود.
وقالت جاسيندا "أصغر رئيسة وزراء في العالم"، إن نيوزيلندا انتقلت إلى المستوى الأول من حالة التأهب العام وبالإمكان تنظيم المناسبات العامة والخاصة دون قيود وعودة القطاعات التجارية والفندقة، ودور السينما والمقاهي والصالات الرياضية، للعمل بشكل طبيعي واستئناف حركة وسائل النقل العام، إثر خروج آخر مريض من العزل الصحي، وعدم تسجيل إصابات جديدة في الأيام الأخيرة، بعد مواجهة صارمة للوباء.
في بداية تفشي الجائحة، تباينت إجراءات مكافحتها بين الدول، إما بفرض إجراءات قاسية أو التهاون والتعامل مع الفيروس باعتباره إنفلونزا شديدة سريعة الانتشار، وبالتالي لجأ البعض إلى "مناعة القطيع".
نيوزيلندا من الدول، التي اعتبرت القضاء على فيروس كورونا أمرا ملحا، بصرف النظر عن التكلفة واتخذت "إجراءات قاسية" لتحقيق هدفها دون انتظار إيجاد لقاح له، وفي غضون أسابيع معدودة نجحت في تسجيل "صفر" حالات جديدة، واستعادت إيقاع الحياة الطبيعية.
اقرأ أيضا: التطبيع في الدراما الرمضانية
بدأت نيوزيلندا المواجهة مع تسجيل الحالات الأولى، وفرضت إجراءات صارمة شملت التباعد الاجتماعي، إغلاق الحدود، إجراء اختبارات الفيروس وتعقب وعزل الحالات المصابة، للحفاظ على عدد الإصابات عند أدنى مستوى، ومنع تفشي الفيروس وبالتالي حماية اقتصادها ومجتمعها معا.
تبنت جاسيندا أرديرن، خطة إغلاق في نيوزيلندا مقسمة إلى أربعة مستويات، تتدرج من المستوى الرابع الأقوى إلى الأقل وهو الأول.
دام تطبيق المستوى الرابع نحو شهر كامل، أغلقت خلاله جميع الشركات، والمدارس والجامعات ووسائل النقل، مع حظر كلي للشعب وعدم السماح بمغادرة المنازل إلا للتسوق الضروري للمواد الغذائية والسير لمسافات قصيرة فقط. ثم انتقلت للمستوى الثالث، والسماح لتجار التجزئة والمطاعم بإستئناف العمل على نطاق أقل، وفتح المدارس يوم واحد اسبوعيا للأطفال حتى السنة العاشرة ومن لا يمكنهم الدراسة إلكترونيا من المنزل، أو من يحتاج آباؤهم إلى العودة للعمل، وإلزام الشركات وجميع المهن بتدابير صحية ووقائية مع التباعد.
اقرأ أيضا: المؤامرة تتوسع والبشر ضحية
وحذرت أرديرن من المخالطة والتجمعات العائلية والمهنية، لأننا "نفتح الاقتصاد جزئيا ولا نفتح الحياة الاجتماعية للشعب"، وقالت إن المستوى الثالث من الإغلاق سيطبق أسبوعين، قبل الانتقال إلى المستوى الثاني، شرط تعاون الشعب والتزامه وإلا سيستمر المستوى الثالث فترة أطول.
خلال أسابيع الإغلاق الكامل بمختلف أنحاء البلاد، حرصت جاسيندا على التواصل مع الشعب، موضحة ان إجراءات الإغلاق الصارمة ستمنع تفشي المرض، ولم تنكر أنها القيود الأكثر صرامة المفروضة على النيوزيلنديين في التاريخ الحديث، وأقسى إجراءات العزل الذاتي في العالم..
لكن نتيجتها ستكون مبهرة، وتحقق هدف جاسيندا وقلت أعداد الإصابات إلى إصابة واحدة يوميا، ولم يتفش الفيروس على نطاق واسع، وأعلنت أرديرن الانتقال إلى مستوى أقل قسوة شرط أن تظل البلد متيقظة، بعد أن تجنبت الأسوأ في الجائحة.
عودة الحياة لطبيعتها في نيوزيلندا مع استمرار إغلاق الحدود، لعدم انتقال عدوى الفيروس، دعا "الملهمة" جاسيندا أرديرن لاقتراح خطة بسيطة لإنعاش السياحة دون انتظار فتح الحدود، إذ طلبت من الشركات والمؤسسات اقتصار العمل على أربعة أيام أسبوعيا بدلا من خمسة، على أن يخصص يوم العطلة الإضافي لتعزيز وإنعاش السياحة الداخلية في ظل إغلاق البلد أمام السياحة الخارجية.
اقرأ أيضا: لا تسامح مع المسيئين لمصر!
وقالت أرديرن في فيديو عبر "السوشيال ميديا": "تعلمنا الكثير من أزمة كورونا والمرونة أثبتت جدواها. أحث الشعب على التفكير في السفر محليا بشكل أكبر إن كان لديهم مرونة عالية في حياتهم المهنية، خصوصا إذا كان صاحب العمل يسمح له، وإذا حدث ذلك فإنه بالتأكيد سيساعد السياحة في جميع أنحاء البلاد بعد أن تراجع سوق السياحة في نيوزيلندا نتيجة تفشي الفيروس المستجد، وغلق الحدود أمام السياح الأجانب".
نجاح جاسيندا أرديرن في القضاء على الجائحة ببلدها، أعاد للأذهان قدرتها الفذة على التعامل السياسي والإنساني العام الماضي، مع أكبر حادث إرهابي تشهده نيوزيلندا في تاريخها، راح ضحيته عشرات المصلين في مسجدين، فقد ارتدت ملابس حداد سوداء ووضعت الحجاب على رأسها وزارت مركز "كانتبري" للاجئين في مدينة كرايستشيرش، لتعزية عائلات وأقارب ضحايا الحادث الإرهابي الذي أودى بحياة عشرات المسلمين أثناء صلاة الجمعة..
وعانقت أصغر رئيسة وزراء في العالم ذوي الضحايا والحزن يغمرها، وهي تؤكد إن نيوزيلندا بالنسبة للمهاجرين والمقيمين فيها هي بيتهم، تماما كالمواطنين، ما ساهم في تخفيف الألم من وقع الحادث، الذي اعتبرته "يوم أسود" في تاريخ نيوزيلندا المطمئنة منذ عقود.
اقرأ أيضا: صراع "العلمنة والأخونة" في تونس
كما رفضت ذكر اسم القاتل في إطلالتها اليومية، وحرصت على إلقاء تحية الإسلام باللغة العربية، ثم استشهدت بحديث نبوي في خطابها وحضرت مع عشرات الآلاف مراسم تشييع الجثامين، واتخذت قرارات إيجابية سريعة لمنع تكرار الإرهاب، أولها تقييد امتلاك السلاح للأفراد، منع نوعيات بعينها من الأسلحة، إجراء محاكمة عاجلة للمجرم وتطبيق أشد عقوبة عليه.
من اليوم الأول نالت جاسيندا محبة المسلمين وباتت محط إعجاب الملايين حول العالم، ومثالا للإنسانية والمرأة الناجحة الحكيمة القادرة على التعامل مع الأزمات الكبرى، ونزع فتيل الفتنة في بلدها. كما تمكنت جاسيندا بدبلوماسية إنسانية وتسامح من تقديم صورة إيجابية لبلدها، جعلتها قبلة كثيرين حول العالم.