بيئة لكل مدع ومحتال!
منصات التواصل الاجتماعي انشغلت في زمن كورونا بتسهيل التعاون بين الناس خلال عزلة طويلة نسبياً امتدت أكثر من خمسة أشهر .. وهنا لا بد أن نعترف بأن التواصل الاجتماعي كان له آثار سلبية وأخرى إيجابية.
فالشائعات والأخبار المفبركة والفيديوهات المتضاربة وبروتوكولات العلاج المتناقضة أخذت تدور على قدم وساق مع تفشي الجائحة والعزلة في المنازل، لدرجة أن خدمة "ماسنجر" أخذت تختنق لكثرة اعتماد الشركات عليها بعد سماحها لموظفيها بالعمل من البيت والتواصل عبر منصات الفيس بوك وغيره، وبلغت المنشورات والتعليقات مداها.
وهي منصات لم تخل للأسف من قصص ملفقة وأكاذيب ذهب أغلبها إلى ربط الجائحة بأسباب غيبية حتى بات "تويتر" و" فيس بوك" مادة خصبة لذوي الخيال الواسع الذين نسجوا أوهامهم على صفحاتهما، وتسببوا في حالة هلع وفزع بين رواد هذا الفضاء الافتراضي فتكالبوا على شراء مواد الحماية الطبية، حتى ارتفعت أسعارها من ناحية بصورة هائلة، واختفت من الأسواق من ناحية أخرى.
اقرأ أيضا: اختيار الضرورة!
وظهرت في تلك الأجواء طبقة جديدة من أغنياء الأزمة الذين لم ترق قلوبهم للحال البائسة التي آلت إليها البشرية جمعاء.
جائحة كورونا وفرت فضاء فسيحاً لكل خبير في الاحتيال ، وبيئة خصبة لكل مدعٍ في الطب سواء أكان عن علم أو فهلوة ، وكل بائع لقصص مفبركة، وكل مروج لنظرية المؤامرة، وكل متصيد للفرص عبر الإنترنت..
وهو ما أنتج في النهاية أخباراً مصنوعة ومثيرة جرى بثها بسرعة البرق، وتداولها بنفس الدرجة، وتلك المشكلة لم تجد لها حلاً؛ ذلك أنها تتعلق بمدى استجابة المتلقي لأقوال معينة تخلق الإثارة والفتنة ..وتلك إشكالية تتطلب في رأيي أن تتولى شركات السوشيال ميديا ضخ استثمارات ضخمة لمراقبة المحتوى الزائف واستبعاده أولاً بأول قبل أن تتلقفه العقول المغيبة وتتفاعل معه بلا بينة ولا هدى..
وهو الأمر غير المتاح حالياً نظراً للظروف الطارئة التي خلقتها جائحة كورونا.. وما كان لمشكلة مثل نفاد المطهرات والكمامات أن تتفاقم في دول كثيرة لولا مئات الفيديوهات والتغريدات التي تسببت في نشر الرعب والفزع بين الناس، مما أدى لارتفاع أسعارها من ناحية، واختفائها من الأسواق من ناحية أخرى.
اقرأ أيضا: ثورة على المتاجرين بالدين والأفكار المتطرفة!
ومن الجوانب الإيجابية لمنصات التواصل الاجتماعي زيادة جرعات الوعي والتفاعل مع مخاطر وتداعيات الوباء لدى روادها منذ بدء ظهوره في الصين بلد المنشأ، وما يتطلبه ذلك من ضرورة التباعد والبقاء في البيوت على الأقل في فترة حضانة الفيروس وذروته، وهو ما قلل من الآثار السلبية وأسهم في الحد من انتشاره بصورة أكبر بين تلك الفئة.