مصطفى أمين يكتب: هذا حال الدنيا
فى جريدة الشرق الأوسط عام 1977 كتب الكاتب الصحفى مصطفى أمين مقالا قال فيه :كلنا نعيش هذا العالم وهذا العهد بإرادتنا أو بغير إرادتنا ، ولكى نعيش فى هذا العالم يجب أن نكيف أنفسنا للحياة فيه والتواؤم مع ظروفه، إلا أننا نخطئ كثيرا إذا حاولنا أن نغير العالم ليناسب ماتعودنا عليه.
أعرف أصدقاء يتهمون الجيل الحاضر بقلة الأدب ، لأنه يفعل أشياء ماكان يفعلها أو يقبلها الجيل القديم .مثلا أنا لم أكن أجلس أمام أمى واضعا ساقا على ساق ، أو أدخن سيجارة أمامها حتى بعد أن أصبحت صحفيا اكسب من عرقى أوعضوا فى البرلمان وأحد صاحبى أخبار اليوم .
فإذا كنت جالسا ودخلت أمى الغرفة وقفت ، واذا خرجت وقفت ، واذا خرجت ودخلت عدة مرات وقفت عدة مرات تحية لها ، وإذا تحدثت إليها لم أقل لها "أنت" ابدا ، كنت دائما أقول لها "حضرتك " .
وكانت الفتاة المؤدبة فى ايامنا هى التى لاتدخن سيجارة ولا تشرب قهوة ، أما الان فقد تغيرت الدنيا واصبح الابناء يدخنون أمام الآباء والبنت تضع ساقا على ساق فى حضرة أبيها ، وقد يقبل ابوها ذلك على مضض .وقد كان الطربوش على رأس الواحد منا كأنه التاج على رأس ملك ، نحافظ عليه ، ونحرص عليه ، واذا تجرأ أحد وألقى طربوشك على الارض فمعنى ذلك انه القى شرفك على الارض وداسه بقدمه . سوف تستمر الدنيا تتغير وتتبدل سواء أردنا أم لم نرد ، والذين سوف يجيئون بعدنا سيموتون على روحهم من الضحك عندما يحدثهم المؤرخون عن العادات التى كنا نتمسك بها ولعلنا سنذهل اذا عرفنا ان أول امرأة فى مصر قصت شعرها وضعها أهلها فى مستشفى الأمراض العقلية لأنه كان تصرفا شاذا فى ذلك الوقت.
مصطفى أمين يدعو ليلة القدر كما ان بعض كبار العلماء أفتوا أن ارتداء المرأة للبنطلون حرام فكان ينظر اليها باحتقار شديد، وكان ذلك منذ ثلاثين عاما .وكان الشيخ ابو العيون يمشى على بلاج الاسكندرية فى الثلاثينات فإذا رأى فتاة مصرية ترتدى المايوه جرى وراءها بالعصا .
وان الدنيا قامت وقعدت عندما دخلت الفتاة المصرية الجامعة وجلست بجوار الطالب فى المدرج ، وأصدر وزير المعارف وقتها امرا بان تجلس الفتاة المصرية فى صف وحدها لايجلس فيه احد من الطلبة الشبان لمنع الاختلاط .يحدث احيانا ان نتغير نحن دون ان نحس اننا تغيرنا ، تماما كما تدور بنا الكرة الارضية ولا نحس انها تدور..تلك هى الدنيا وتلك هى الحياة وما خفى كان أعظم .