الحكمة ضالة المؤمن
يقول تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب).. ويقول عليه الصلاة والسلام (الحكمة ضالة المؤمن).. والحكمة هي إحكام الشيء وإتقانه ووضع كل شيء في نصابه..
وهي عطاء رباني ومنحة إلهية فهي لا تباع ولا تشترى ولا تكتسب وبها تزال حجب الغفلة وتشرق أنوار المعرفة، وهي دواء القلوب وترياقها من سموم الجهل والغفلة وبها ينطق أهلها بالمواعظ الطيبة والوصايا الكريمة الفاضلة.. وبالموعظة الطيبة الحسنة تلين القلوب وترق وتتهذب النفوس وتفيق من سكر الغفلة وغلبة الأهواء، ويتحرك فيها دواعي الخير والحنين إلى الرجوع إلى علام الغيوب سبحانه، وتخشع لذكره تعالى..
وبالوصية يكون النصح والتبصير والإرشاد والتنوير والتبصير، وما أحوجنا إلى ذلك الخير لعلنا نفيق من غفلتنا التي طالت، وتصحو فينا همة الإقبال على الله تعالى، فتكون لنا السلامة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة..
اقرأ أيضا: ولاية الله والعناية الإلهية
وألفت نظر عزيزي القارئ إلى أن التراث الإسلامي مليء وحافل بأنوار الحكم والمعرفة، وإني من خلال هذا المقال سوف أذكر بعض الحكم والوصايا التي نطق بها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أكيس الكياسة التقوى وأحمق الحمق الفجور وأصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة، إن العبد إذا داخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله حتى يفارق تلك الزينة..
وقال رضي الله عنه: لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا في مال لا ينفق منه في سبيل الله، ولا فيمن يغلب جهله حلمه ولا فيمن لا يخاف في الله تعالى لومة لائم..
وقال: وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع ومن مقت نفسه في ذات الله أمنه الله من مقته.. وقال: إياكم والتعالي والفخر وما فخر من خلق من تراب ثم إليه يعود ثم يأكله الدود.. وقال في إحدى خطبه: يا معشر المسلمين استحوا من الله عز وجل فوالذي نفسي بيده إني أظل حين أذهب إلى الغائط (أي موضع قضاء الحاجة في الخلاء) مقنعا بثوب استحياء من الله عز وجل..
اقرأ أيضا: ليس كمثله شيء
وخطب في الناس يوما مذكرا لهم بحال من سبق من الناس وما صاروا إليه: أين الوضاءة الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم. أين الملوك الذين بنوا المدائن والقصور وحصنوها بالحيطان؟ أين الذين يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور..
وقال رضي الله عنه لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوصي بخلافته: يا عمر.. اتقي الله وأعلم أن لله عز وجل عملا بالنهار لا يقبله بالليل وعملا بالليل لايقبله بالنهار وإنه تعالي لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقلت عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.. وأن الله تعالى ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قل لنفسك: إني لأخاف ألا ألحق بهم..
هذا والحكمة تأتي فضلا من الله عز وجل على أثر استقامة العبد وإخلاص وجهته لله والاجتهاد في ذكره سبحانه.