رئيس التحرير
عصام كامل

45.8 % من أطفال "غزة" في الفئة العمرية المحظور عملها قانونيا

أطفال غزة
أطفال غزة

على أحد مفترقات مدينة غزة تُومض إشارة المرور لتعلن عن لونها الأحمر، فيقفز على الفور "أحمد" صاحب التسعة أعوام بجسده النحيل وثيابه الرثة، نحو السائقين والركاب داخل السيارات المتوقفة يستجديهم بصوته الشاحب وعيونه التي تدور في المكان يمنةً ويُسرّة لشراء البسكويت واللبان( العلكة).


تتلون الإشارة وينطلق الجميع عدا أحمد المتشبث بصندوقه الورقي المتهالك تماما كما يفعل عشرات الأطفال من حوله والذين رماهم الفقر إلى أرصفة وطرقات شوارع المدينة بحثا عن لقمة عيش تتكفل بإسناد أسرهم المحتاجة.

ويرفض "أحمد" كما الأطفال الآخرين عن كشف هويته لمراسلة الأناضول ويكتفي بالقول:"ماذا أفعل، أبي مريض وما من حل سوى أن أكون هنا."

وأمام أرقام الفقر وتفاصيل الوجع اليومي في قطاع غزة المحاصر، اضطر العشرات من الأطفال للنزول للشوارع غير مكترثين بحر الصيف ولهيبه.

يحمل أحدهم بعض الحلويات والبسكويت، وآخر يبيع المرطبات فيما ينادي ثالث على المناديل الورقية والسجائر، وتنشغل مجموعة في مسح نوافذ السيارات في مشهد يومي بعيدا عن أبجديات الطفولة.

وبالقرب من إحدى إشارات المرور أخذ "أنس" ابن الـ"12" ربيعا يتنقل من سيارة إلى أخرى يعرض بضاعته ويلح على السائقين والركاب بالشراء منه، وحين يحاصره اليأس يبدأ الصغير في الاستجداء وترديد نغمة:(أمانة، أمانة ربنا يخليك، اشتري مني )

وبحسرة ينظر "عامر"_14 عاما_ على الأطفال المارين بصحبة ذويهم للتنزه، فيما يضطر هو للوقوف طويلا تحت أشعة الشمس لتوفير قوت أسرته اليومي بعد وفاة والده.

وأكثر ما يزعج الصغير "حمزة" صاحب التسعة أعوام كما يروي لـ"الأناضول" تعرضه للإهانة ولألفاظ السب والشتم، وقد يصل الأمر إلى حد الضرب، ويستدرك بأسى:" نريد أن نعيش حياتنا كباقي الأطفال، نمرح ونلعب."

وتطل الصورة بكامل وجعها عندما تصطف فتيات في عمر الزهور إلى جانب أشقاءهم فتجهر الواحدة بصوتها الرقيق بحثا عن مشترين، وتقول نادية _واحدة من هؤلاء_ إنها تخرج مع شقيقها للشارع لإنقاذ عائلتها من الفقر والجوع، فوالدهم مريض والعائلة المكونة من تسعة أفراد بحاجة إلى معيل.

ولا يقتصر عمل الأطفال في بيع البسكويت والعلكة والدخان وأكواب الشاي والقهوة، إذ تمتد إلى الأعمال الشاقة داخل المصانع وحمل الطوب والحجارة والنجارة والحدادة، والعمل في الأنفاق المنتشرة على طول الحدود المصرية مع غزة.

وكانت دراسة أصدرتها مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان مؤخرا قد كشفت عن وفاة 42 طفلا في غزة جراء العمل بالأنفاق.

ولا توجد في قطاع غزة إحصائيات حول الأعداد الحقيقية للأطفال العاملين وتندر الدارسات المسحيّة حول هذه الظاهرة، فيما تخرج إلى النور بعض الدراسات التقديرية.

وتشير إحصائيات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في 5 أبريل 2013، إلى أن 4.1% من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية 10-17 سنة هم أطفال عاملين سواء بأجر أو بدون أجر عام 2012؛ 5.8% في الضفة الغربية و1.5% في قطاع غزة.

ويعتبر عمل الأطفال مخالفا لحقوق الطفل التي نص عليها إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، وإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة، وقوانين العمل الفلسطينية.

وفي دراسة تطبيقية حول عمل الأطفال في قطاع غزة أعدها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين عام 2012 وأجريت على (683) طفل/ة، تمثل نسبة 5.2 ٪ من عدد الأطفال العاملين أكد المركز على انتشار ظاهرة عمل الأطفال في القطاع.

وتوضح الدراسة التي حصلت "الأناضول" على نسخة منها أن ظاهرة عمل الأطفال في قطاع غزة منتشرة في الفئة العمرية المحظور عملها قانونيا (الأطفال ما دون 15 سنة) وبلغت نسبتهم 45.8٪ حسب الدراسة.

وترجع الدراسة أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى الحصار الخانق والمفروض على القطاع منذ أزيد من سبعة أعوام، وانتشار البطالة والفقر، حيث بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 32٪ ونسبة الفقر 60٪.

ولا شيء سوى الفقر والحاجة يدعو الأطفال إلى أزقة الشوارع كما يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي " معاذ العامودي" والذي أكد أنّ علاج هذا المرض يتطلب روشتة قانونية قبل أي دواء اقتصادي.

وشدد "العامودي" على ضرورة تجريم عمل الأطفال قبل بلوغهم 15 سنة، واتخاذ إجراءات قانونية تتكفل بحمايتهم والحد من الآثار السلبية لهذه الظاهرة.

وينخرط الأطفال في الشوارع لكسب ما يزيد من دخل أسرهم الفقير، وما من حل ينهي هذه المعاناة أو يخفف منها سوى وضع الضمادات على موضع الجرح، كما يؤكد العامودي والذي أضاف:" أية مساعدات آنية، إغاثية وعاجلة وحلول مؤقتة لن تجدي نفعا، ما هو مطلوب القضاء على الفقر، توفير فرص لأرباب الأسر، فمن المستحيل لطفل يعيش في مجتمع سليم اقتصاديا واجتماعيا أن يذهب للموت على أرصفة الشوارع."
الجريدة الرسمية