كواليس صفقة حماس مع حكومة نتنياهو.. الحركة تستخدم "أوراق الضغط".. تل أبيب تحاول "تقليل الخسائر".. و"السنوار" صاحب المبادرة
يجري الحديث هذه الأيام حول تفاصيل إبرام صفقة محتملة بين حماس وإسرائيل يتم بموجبها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل جنود إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة منذ حرب 2014؛ المبادرة لعقد الصفقة جاءت من زعيم حركة حماس يحيى السنوار، والتي استجاب لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
تفاصيل الصفقة
وعلى الفور أبلغت حكومته عائلات الأسرى الإسرائيليين أن هناك صفقة محتملة، وتعد بمثابة ضوء في نهاية النفق، كما أبدى الطاقم الأمني الإسرائيلي استعداده لإغلاق هذا الملف من خلال حوار فوري عبر الوسطاء.
الجانب الإسرائيلي شدد على أنه ينبغي أن يكون هناك تفاؤل حذر، لأن الطريق نحو الصفقة لا يزال طويلًا ومتعرجًا ويحتاج فهم الخطوط الحمراء للطرفين، مشيرًا إلى وجود خطوط حمراء بالنسبة لإسرائيل أمام تنفيذ هذه الصفقة، في مقدمتها أن إسرائيل لن تفرج عن أسرى فلسطينيين مقابل معلومات فقط عن أسراها المحتجزين في القطاع.
وأنها لم تضع في الحسبان إطلاق سراح الأسرى الذين أعيد اعتقالهم بعدما أطلق سراحهم ضمن صفقة شاليط، أما حماس فتشترط حسب ما جاء على لسان السنوار في لقاء تليفزيوني تقديم تنازلات جزئية فقط.
بالون اختبار
الإعلام العبري اعتبر الردود من جانب إسرائيل وحماس بمثابة بالون اختبار لرصد ردود فعل الجماهير في حال دخول الصفقة حيز التنفيذ، معتبرًا أن الجانبين يستغلان جائحة كورونا لترتيب العلاقات بينهما.
كما أن كواليس الصفقة يثمنها قادة في حركة فتح على أنها خطأ كبير ويتكرر من منطلق أن فتح تري أي حوار بين حماس وإسرائيل لا يجب أن يكون بعيدًا عن منظمة التحرير الفلسطينية في حين أن قادة في حركة حماس يعتبرونها فرصة قوية تخدم عناصر المقاومة.
المعتقلين
وحسب مصادر مطلعة على كواليس التفاهمات، فإن إسرائيل تصر على تنفيذ صفقة تشمل الإفراج عن جميع الإسرائيليين الأربعة المحتجزين لدى حماس دفعة واحدة، وترفض تطبيقها على مرحلتين، بينما تطلب الحركة تمرير الصفقة على مراحل، كما أن هناك خلافًا بين الطرفين حول حجم الصفقة المرتقبة، ففي حين تطالب إسرائيل بأن تكون الصفقة ضمن معاهدة هدنة طويلة الأمد لمدة 10 أعوام وتلقى ترحابا أمريكيا، بغرض تسهيل تمريرها في المجتمع الإسرائيلي، على النقيض تطلب حركة حماس اتفاقًا محدودًا، تجنبا للدخول في صدام مع حركة الجهاد الإسلامي الذي يلتزم مع إيران برفض اتفاق هدنة طويل الأمد مع تل أبيب.
كما تحدثت رموز بارزة في حركة حماس عن دور روسي في الصفقة التي تثير الخلافات الداخلية حتى الآن، معتبرة أن المحادثات التي تمت مؤخرا بين إسماعيل هنية، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، كانت بمثابة وضع وضع خطوط عريضة على صفقة مرتقبة تحمل شعار الأسري حاليا وربما تكون بمثابة بوابة دخول لتفاهمات ممستقبلية كبرى وتريبات متعلقة بوضع القطاع في صفقة القرن الأمريكية.
تفاهمات مستمرة
وتعقيبًا على تفاصيل الصفقة قال أيمن الرقب، القيادي بحركة فتح الفلسطينية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة إن «التفاهمات بين حماس والاحتلال الإسرائيلي ليس بجديد، فمنذ فترة طويلة وخاصة بعد حرب ٢٠١٤ وتوقيع اتفاق التهدئة والعلاقة تدخل مراحل مد وجذر بين الاحتلال وحماس خاصة في ترتيبات التهدئة وعدم التزام الاحتلال بتنفيذ بنودها من الجانب الإنساني مثل زيادة مساحة الصيد مثلا في بحر غزة».
وأضاف: كما كانت للاحتلال ردات فعل عند انطلاق أي قذيفة من قطاع غزة تجاه المستوطنات الإسرائيلية وبالعادة تنشط عدة جهات لمنع تدهور الأوضاع وضبط الأمور بناء على اتفاق التهدئة عام ٢٠١٤ بعدة عدة أيام من الاشتباكات.
وفي الأيام الأخيرة وخاصة في ظل جائحة كورونا دربت وزارة الصحة الإسرائيلية طواقم طبية فلسطينية عند حاجز إيرز الفاصل بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي ووفرة بعض شرائح الفحص لفيروس كورونا مما فتح المجال لفتح قنوات اتصال بقوة بين حماس والاحتلال.
ونشط في هذا الأمر نيكولاى ملادينوف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الشرق الأوسط الذي أشاد بهذه العلاقة وهذا الأمر فتح شهية الاحتلال لاستغلال الفرصة للإفراج عن جنوده الموجودين في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين خوفا من وصول كورونا لهم.
500 أسير
وأكمل «د.الرقب»: لقد كان لمبادرة حماس بتسليم فيديو مدته دقيقة عن جنود الاحتلال الموجودين بيد المقاومة في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المرضى والنساء والأطفال وكبار السن والذي يصل عددهم لقرابة ٥٠٠ أسير فرصة استغلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جيدا ليطلب من الوسطاء التدخل لإنهاء الصفقة مع تنازل حماس عن بعض شروطها السابقة مثل إطلاق سراح مفرجي صفقة شاليط الذين تم اعتقالهم مرة أخرى كشرط لأي مفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى.
كما أن الاتفاق بين نتنياهو وزعيم المعارضة الإسرائيلية بني جانيتس حول تشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية جعل فرصة تنفيذ تفاهمات بين حماس والاحتلال قوية لترتيب هدوء طويل بين قطاع غزة والاحتلال ومن ضمنها صفقة تبادل الأسرى.
موقف فتح
ونوه إلى أن «فتح حوار بين حماس والاحتلال بعيدا عن منظمة التحرير الفلسطينية خطأ كبير ويتكرر، لقد تفاءلنا عندما تم تشكيل طاقم تفاوض من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وضم ممثل عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي للتفاوض مع الاحتلال عشية حرب عام ٢٠١٤.
لكن سرعان ما تلاشى هذا التفائل بعد أن فشلت حكومة الوفاق الوطني ودخلت حماس بحوارات غير مباشرة مع الاحتلال بوساطات دولية وإقليمية، كما أن سلوك السلطة ضد قطاع غزة وتنفيذ عقوبات ضد قطاع غزة زاد الهوة بين السلطة وحماس».
انفصال غزة
كما أشار «د.الرقب» إلى أن «توقيع أي اتفاق بين حماس والاحتلال حتى لو كان تهدئة طويلة الأمد يعني فصل قطاع غزة تدريجيا عن المشروع الوطني الفلسطيني، وتنفيذا تدريجيا لخطة ترامب بتسمين قطاع غزة وتوسيعه ليكون مع الوقت الدولة الفلسطينية مع تفرد الاحتلال بالضفة الغربية التي أصبحت هدفا كبيرا بالنسبة له لضم جزء كبير منها لمستوطناته وتدمير ما تبقى من الكيانية الفلسطينية».
مشددًا في الوقت ذاته على أن تنفيذ أي اتفاق منفرد في ظل فساد السلطة وظلمها لقطاع غزة خطأ تاريخي؛ «كنا نتمنى أن تكون قيادة السلطة وحماس بحجم التحدي الذي يواجه القضية الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإنجاح الجهد المصري لتضميض الجراح الفلسطينية وإنهاء الانقسام ولكن دون جدوى والتاريخ لن يرحم هؤلاء على أخطائهم ضد القضية الفلسطينية».
من ناحيته، علق القيادي في حركة حماس، إبراهيم المدهون قائلًا: أعتقد أنه منذ إطلاق مبادرة حركة حماس التي تحدث عنها رئيس الحركة يحيى السنوار وهناك تحريك للملف، هذه المبادرة الإنسانية استجاب لها الاحتلال خصوصًا من مكتب نتنياهو وهناك بالفعل حراك في هذا الملف وربما هو الأول من نوعه منذ أسر الجنود الإسرائيليين، وهذا يعطي أن عجلة الصفقة الجديدة قد بدأت ولكن علينا ألا نتعجل النتائج.
وهذا الأمر يأخذ وقتًا طويلًا خصوصًا أن الاحتلال الإسرائيلي ماكر يحاول دائمًا المراوغة وكسب الوقت وإيصال المقاومة الفلسطينية إلى حالة اليأس، من أن تأتي بنتائج من خلال أسرها للجنود أو يريد أن يقلل الثمن، لكن المقاومة الفلسطينية الآن لديها دراية في إدارة ملفات التبادل ونجحت في 2011 في الوصول إلى صفقة وفاء الأحرار التي أطلق من خلالها 1500 أسير فلسطيني مقابل الجندي جلعاد شاليط.
ولهذا أنا أعتقد أننا اليوم أمام فرصة قوية ولكنها تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد لأننا نتعامل مع عدو ليس سهلا ويحاول دائمًا الهرب من دفع الاستحقاقات التي عليه.
أوراق الضغط
وأكمل: أعتقد أن ما تمتلكه المقاومة الفلسطينية من أوراق ضغط، سواء بقدرتها على المقاومة والنفس الطويل أو الاحتفاظ بالجنود الإسرائيليين ووجود 4 جنود إسرائيليين محتجزين لدى المقاومة، سيساعد على تمرير الصفقة، هذا إلى جانب أنه كفيل بأن يجبر الاحتلال على الإفراج عن المئات بل الآلاف من الأسرى الفلسطينيين.
لكن هذا يحتاج كما قلت مزيدا من الوقت والجهد لهذا لا أتوقع أن تكون هناك صفقة قريبة هذا العام مثلا، لكننا بدأنا في خطوات جدية نحو صفقة قد تستمر لأشهر لهذا سنحتاج الانتظار، ولكن سننجح من خلال أوراق الضغط والوساطة الإقليمية في الوصول إلى نتيجة مرضية وصفقة على غرار صفقة شاليط.
نقلًا عن العدد الورقي...،