أفضل طريقة لإحياء ليلة القدر
كيف يمكن العناية بليلة القدر واحيائها وما هو حكم الله فيها، وماذا أفعل حتى يتقبل الله دعائى وصيامى؟
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق فى كتابه "الفتاوى - دراسة لمشكلات المسلم المعاصر فى حياته اليومية العامة"، فيقول فضيلته":
تواضع المسلمون بعد عصورهم الأولى على أن يحتفلوا فى ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان بليلة القدر وحتى نحقق معنى قيامها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: "من قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، والذى نعتقده أن معنى قيامها المطلوب: إسلام المؤمن نفسه في ليلتها لله، وإخلاصه فى الدعاء والتذكر والعبادة.
ومن المأثور فى هذا الشأن قول عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم: "كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وايقظ أهله وشد المئزر" وهو كناية عن الجد فى العبادة.
اقرأ ايضا: حكم الشرع فى استخدام "أحمر الشفاه" أثناء الصيام
وقد إختلف العلماء فى معنى ليلة القدر وفى حقيقتها وفى وقتها وفيما وقع فيها ، وحسبك تعلم أن أقوال العلماء فيها أوصلها شراح الحديث إلى سبعة وأربعين قولا، ولكن الذى أطمئن إليه وأحب أن اقدمه لأخى المسلم فى هذا هو: أن ليلة القدر هى التى فيها بدء بإنزال القرآن ، وهو ما تصرح به سورة القدر: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" وكان : ذلك حين نزل قوله وتعالى: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ"..
وأن هذه الليلة كانت من ليالى شهر رمضان، بقوله فى سورة البقرة: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"، وأنها الليلة التى وصفها الله بأنها مباركة فى قوله تعالى فى سورة الدخان: "حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ".
إذن هى ليلة تاريخية، نذكر بها كلما جاءت شهرها، بل نذكرها بشهرها، ونذكر بها نعمة الله على الناس كافة بهذا القرآن الكريم. ومعنى "القدر" هو الشرف والعظمة، فهى ليلة يتجلى فيها رب العزة والجلال على الناس فيبعث إليهم الهدى من السماء ويرشد ضالهم، ويرسم لهم طريق المجد، ويفك عنهم إصرهم وأغلالهم.
اقرأ ايضا: حكم الشرع في دفع زكاة المال للزوج
إن ليلة هذا شأنها لجديرة بالتفخيم والتعظيم وجديرة بإحيائها وبذل الجهود في شكر الله على آثارها، وقد صور الله لنا عظمتها بهذا الاستفهام الدال على جلالها " وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" وبتكرار كلمة "الْقَدْر" ثلاث مرات تكرارا يملأ النفس روعة "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ"، وبهذا التفضيل الذى لم يستعمل اسلوبه فى فضل شئ غيرها، "خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" ألف شهر رمز للكثرة التى لا يألفها المخاطبون، فتذهب نفوسهم فى حقيقتها كل مذهب ممكن .
لم يقف القرآن فى تصوير عظمتها عند هذا الحد، بل راح يذكر شيئا غيبيا يتصل بنزول الملائكة وبينهم الروح الأمين "حفاوة السماء والارض" وإطمئنان الأرواح الخيرة على أن شمس الهداية التى ترجوها لبنى اإنسان قد آذنت بإشراق، وأن الخير والإصلاح سيعمان كل الآفاق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد مد يده برسالة من ربه إلى الإنسانية جميعا، ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويردها إلى فطرتها الخيرة، ويرشدها إلى صراط الله المستقيم.. تلك ليلة القدر، وهذا طريق إحيائها.