الأديبة الفلسطينية ابتسام بركات بعد حصولها على جائزة زايد: ارتحالي لأمريكا مكنني من فهم الشرق الأوسط.. ولو لم أكن عربية لشعرت بخسارة (حوار)
بناء الطفل أهم استثمار تقوم به الإنسانية.. والطفولة أهم مرحلة في حياة البشر
اللغة العربية تربطني بجذوري.. ولو لم أكن أعرفها لكانت "خسارة عظيمة"
أحسب عمري وتطوري بالكتب.. والكتابة "رحلة سندباد" مليئة بالمغامرات
"طفل اليوم رجل الغد" ربما أصبحت تلك الجملة "كلاشيه” نمطيا مكررا نمضغه في أفواهنا ثم نقوله دون محاولة للتفكير فيه ! فطفل اليوم هو بالفعل رجل الغد ولا نمطية في ذلك أو تكرار وإنما هي الحقيقة البحتة التي آن أوان النظر إليها والعمل وفق مفاهيمها حتى لا يدركنا رجل الغد بسوئه لا بحسناه.
ورحم ربي أؤلئك الأدباء الذين أدركوا أن الأدب الحقيقي يبدأ من الطفل فطفل يستطيع قراءة كتب جيدة سيحاول في الغد كتابة كتب أكثر إجادة.. الأمر الذي يمثل استثمارا للحالة الأدبية بشكل عام.. وعلى الرغم من ندرة أدب الطفل الجيد في عالمنا العربي إلا أن بصيص الأمل ما زال يأبى الانصياع إلى درب من الظلام فيضئ أمامنا بنماذج ترعى أدب الطفل وتعطيه من روحها.
الكاتبة الفلسطينية ابتسام بركات إحدى هذه الأرواح التي بثت في أدب الطفل من روحها وأهدته الأمل من جديد خاصة بعد فوزها مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الطفل .. الأمر الذي يضرب مثلا للجوائز التي مازالت تجد في أدب الطفل منبعا أدبيا لابد من استثماره ومراعاته. "فيتو" حاورت الكاتبة الفلسطينية عن مشروعها الأدبي وجائزتها الأخيرة.. وتفاصيل أخرى في الحوار التالى:
*مابين فلسطين وأمريكا والارتحال من مكان إلى آخر.. ماذا أضافت لكِ هذه التجربة في نفسك وما وقعها على كتاباتك؟
الارتحال في غاية الأهمية للكاتب والمفكر والفنان والإنسان بشكل عام ولقد تمكنت من فهم الشرق الأوسط من وجهة نظر عالمية فقط حين ابتعدت عنه وتمكنت من فهم الصورة الكبيرة لأشياء كثيرة فقط بسبب الارتحال ورؤيتها من زوايا كثيرة ونحن لم نعرف شكل الأرض إلا عبر الارتحال والنظر من بعيد ولا نفهم معنى أي شيء إلا بعد أن تمضي فترة من الزمن. لذا البُعد والابتعاد هي ضرورات فنية وإدراكية.
*لماذا اخترتِ كتابة أدب الأطفال على وجه الخصوص؟
أكتب في مجالات أخرى لكن أدب الأطفال يؤسس المجتمع والإنسان فالطفل بعد 20 أو 30 عاما يساوي الإنسان الرائد أو الإنسان في حالة سيئة هذه الرحلة الجميلة أو الصعبة تبدأ في الطفولة ونوعية الطفولة لهذا فالاستثمار في بناء الطفل هو أهم استثمار تقوم به الإنسانية أو أي حضارة تريد التطور.
*يقال إن أدب الطفل ربما يكون مهمشا في عالمنا العربي ولا يجد أديب الأطفال النجومية نفسها التي يجدها كاتب الروايات على سبيل المثال.. فهل توافقين على هذا القول أم لا.. ولماذا؟
نعم ليس أدب الطفل فقط ولكن الطفولة بشكل عام ينظر الناس إليها على أنها شيء يجب التخلص منه بأسرع وقت وحين يهان شخص يتهم بأنه يتصرف كالأطفال ولكن الطفولة أهم مرحلة في مراحل حياة الإنسان يكون فيها مبدعا قادرًا على تعلم اللغات في فترة بسيطة قادرًا على التعبير عن نفسه قادرًا على الأسئلة والملاحظة قادرًا على التطور السريع.
صحيح أن كاتب أدب الأطفال لا يجد نفس النجومية لكنه يبني أساس العالم الأدبي فالقارئ الجيد أو الكاتب الجيد لا يصير إلا بطفولة تجد كتب أطفال جيدة يعني الكاتب للكبار المبدع لم يصل إلى هذا إلا بسبب أنه وجد كتب أطفال جيدة حين كان صغيرًا وبدأ حبه للكتب والكتابة. وجائزة الشيخ زايد بشجاعة وإبداع قامت بمساواة الجائزة والنجومية لكل فروع الجائزة ولم تعط كاتب أدب الكبار أكثر من كاتب أدب الصغار.. وأنا أشكرهم على هذا جدًا.
*فزتِ بالعديد من الجوائز والتي يبلغ عددها أكثر من 30 جائزة فما أكثر الجوائز التي تتذكرينها وارتبطت بذاكرة داخل نفسك ؟
أنا في غاية السعادة بفوزي بجائزة الشيخ زايد الرفيعة والعالمية ولكن في السابق أتذكر جدًا جائزة القراءة الدولية عن كتابي باللغة الإنجليزية Tasting the Sky a Palestinian Childhood لأني كنت أول كاتبة من أصل عربي تفوز بها وحتى الآن أنا الكاتبة العربية الوحيدة التي فازت بها منذ بدء الجائزة قبل 45 عاما.
*ما بين الكتابة بالعربية التي هي لغتك الأم والإنجليزية المكتسبة من الإقامة في أمريكا بمَ تفضلين الكتابة.. وما الزخم المختلف التي تعطيه إياكِ اللغة العربية؟
أنا لم أكتسب الإنجليزية عبر الإقامة لقد تعلمتها في الطفولة أيضًا وصارت من أدوات تعبيري عن نفسي مبكرا وبالطبع هنالك أعمال يناسبها الإنجليزية وهنالك أعمال يناسبها العربية. أنا لا أقرر. العمل يقرر أي لغة هي الأكثر مناسبة أو الأفضل له. وهنالك أعمال يناسبها الرسم أو الشعر أو أدب الطفل.
ما يعني أن العمل يقرر أداة التعبير مثلما نقدم المشروب في كأس والطعام في صحن تقدم الفنون في أوعيتها الخاصة بها؛ أي الأشكال الفنية الخاصة بها واللغة العربية تربطني بجذوري وبلغة تاريخية مملوءة بالكنوز الأدبية والإلهام لو أني ولدت في لغة أخرى غير العربية ولم أتعلم العربية ولم أفهم عمق اللغة العربية وزخمها من غير أن أكون ناطقة بها كلغة أولى؛ لحزنت حزنا عظيما واعتبرت هذا خسارة فظيعة.
*ما أكثر كتبك قربًا إلى نفسك.. ولماذا؟
جميعها نقلتني من مرحلة إلى مرحلة الناس يحسبون أعمارهم وتطورهم بطرق تخصهم وأنا أحسب عمري وتطوري بالكتب فأول كتاب نشر لي بالإنجليزية: "تذوق طعم السماء" نقلني إلى الحوار العالمي أما كتاب "التاء المربوطة تطير" فأخذني إلى صلب اللغة العربية وكتاب "هدية للهمزة" أعطاني فرصة أن أكتب وأرسم في نفس الوقت وأن أصحح للقراء حقيقة أن اللغة العربية عدد حروفها 29 وليس 28.
و”الفتاة الليلكية” الفائز بجائزة الشيخ زايد أعطاني فرصة العمل لتعريف القارئ الصغير على الفنانة تمام الأكحل وعلى عالم الفن كطريق للعبور إلى حلول جديدة في القضايا الصعبة التي نواجهها وهكذا.. فكل كتاب له دوره الخاص به.
*عادة يملك الكاتب ملهما في كل مرة يخط فيها كتاباته فما الأشياء أو الأشخاص الذين يلهمونك ؟
تلهمني فكرة الحرية وممارسة الحرية والتعرف على أنفسنا من منطلق الحريات غير المتناهية ؛ وحين أبدأ الكتابة لا أعرف ما سأنتهي به وما الذي سيكون على الورقة دائما هي رحلة مملوءة بالمفاجآت والاكتشافات أحس أن الكتابة مثل رحلات السندباد ولكن البحر والزورق والمجداف عنده وعندي الورقة والحبر والقلم.
*الآن وقد دخل شهر رمضان نصفه الثانى في حين تعيشينه في بلاد ليست عربية فما أبرز الأجواء التي تفتقدينها.. وكيف كنتِ تقضين رمضان في وطنك الأم ؟
أفتقد الفرحة الروحية التي تملأ العالم العربي في وقت رمضان وكأن كل يوم هو عيد صغير يجتمع فيه الناس بعد تحضير وترقب وينتبه الناس للوقت وكل دقيقة فيصير الزمن مهما.. ويتعاون الناس ويسهرون في الليل وهم أكثر لطفًا مع بعضهم البعض في رمضان وبالتأكيد أحب فرحة الأطفال التي تملأ كل مكان في رمضان.
أرى رمضان على أنه شهر الطفولة الجميلة بحيث يبدأ الأطفال بالتساؤل عن أشياء روحية كثيرة وأتمنى أن يأتي يوم يأخذ فيه الناس كل أسئلة الأطفال على محمل الجد وأقصى الاهتمام فيسمعون أسئلتهم ويحترمونها وألا يجيبوا عليها إن لم تكن عندهم إجابات حقيقية وأتمنى أن يقال للطفلة أو الطفل: هذا سؤال جيد حاول (ي) أن تجد(ي) له إجابة أنت وستضيف(ين) شيئا رائعا للإنسانية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"