رئيس التحرير
عصام كامل

الأغنية كسرت حدة الخطاب الديني المبني على التهديد والوعيد  "مرحب شهر الصوم".. خطبة فنية عن فضائل الركن الرابع من الإسلام 

فيتو

من كلاسيكيات شهر رمضان أغنية "مرحب شهر الصوم" للمطرب عبد العزيز محمود التي بدأت بعدما كتب الشاعر محمد على أحمد ومحمد الأغنية وهو من مواليد منطقة راغب بالإسكندرية عام 1914 تخرج في كلية الشرطة ووصل إلى درجة نقيب وعيِّن سكرتيرًا عامًا للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب الذي سمي بعد ذلك بالمجلس الأعلى للثقافة.

 

عمالقة الغناء

وتألق هذا الشاعر النادر مع كوكبة من نجوم الفن وعدد كبير من الأغاني التي غناها معظم مطربي العصر ومنهم عبد الحليم حافظ وصباح ومحمد فوزي وغيرهم.

وتقول كلمات الأغنية: "مرحب شهر الصوم مرحب ، لياليك عادت في أمان.. بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان.. مرحب بقدومك يا رمضان ، ونعيش ونصومك يا رمضان.. بعد انتظارنا وشوقنا إليك ، جيت يا رمضان" ثم عرضها على الموسيقار محمد حسن الشجاعي ، مراقب عام الموسيقى بالإذاعة في عام 1966 وتمت الموافقة عليها في الإذاعة ، ورشح لها المطرب عبد العزيز محمود الذي أدى البروفات عليها في حديقة معهد الموسيقى العربية ، ثم قام بغنائها في نفس العام ولاقت نجاحًا كبيرًا.

موسيقار الأغنية

أما موسيقار الأغنية فهو محمد حسن الشجاعي الذي وُلد في 1903 في محافظة الغربية ، وبدأ حياته عازفًا على آلة الترومبيت وعمل في فرقة موسيقى الجيش ثم انتقل لأوركسترا القصر الملكي ، وفي عام 1921 ترك الخدمة ليعمل قائدًا لفرق المسارح الغنائية في روض الفرج ، وتخرج في معهد برجين للموسيقى ، وتولى مراقبة الموسيقى في الإذاعة ، وأنشأ فرقتين موسيقيتين للإذاعة ولحن العديد من المؤلفات الموسيقية ، وكان أول من ألَّف الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية المصرية.

وبطل الأغنية المطرب عبد العزيز محمود هو من مواليد محافظة سوهاج عام 1914 وعمل في شركة شل ، لكن عندما أصيب بكسر في ساقه استغنت عنه الشركة فعمل مع البمبوطية وهم تجار البحر الذين يعملون على المراكب مع السفن العابرة في قناة السويس ، وكان مشهورًا بخفة الدم والصوت العذب ، واشتهر بالغناء في الأفراح إلى أن قدَّمه مدحت عاصم رئيس قسم الإذاعة والغناء في الإذاعة وتم اعتماده.

كما برع في مجال التلحين وقام بتلحين معظم أغانيه بنفسه كما لحن لكبار المطربين ، وتمتاز أغنية "مرحب شهر الصوم" بجمال اللحن والكلمات المعبرة عن الفرحة باستقبال الشهر الكريم بعد فترة اشتياق إليه مع الصوت العذب للفنان محمود عبد العزيز.

كواليس التحضير 

ومع البدء العد التنازلي لشهر شعبان والاستعداد لشهر رمضان تبدأ الإذاعات والمحطات التليفزيونية بث هذه الأغنية إيذانًا بقرب حلول الشهر المبارك ، وهي بمثابة جرس تنبيه يوقظ الناس للاستعداد للشهر الكريم.

ويأتي ذلك تزامنًا مع طقوس المصريين الذين تعودوا على الاستعداد للشهر المعظم بشراء مستلزمات رمضان خاصة الياميش حيث تساهم هذه المحال في الترويج للأغنية أيضًا من خلال إذاعتها.

التراث الفني 

ويقول الدكتور محمود الضبع الناقد الأدبي: إن التراث الفني المصري استطاع أن يخلد أيام رمضان عن طريق الفن حيث ارتبطت الأغاني بتوقيتات الشهر الفضيل ، فهناك أغانٍ بقدوم شهر رمضان وأغنيات لمنتصفه وأغنيات لوداعه واستقبال العيد ، مضيفًا أن من ضمن الأغاني التي تعبر عن قدوم الشهر الكريم "مرحب شهر الصوم".

وأوضح أن هذه الأغنية وغيرها من أغاني رمضان كانت دافعًا للبهجة وعززت من روحانيات الشهر المبارك ، وكسرت حدة الخطاب الديني الذي يعتمد كثيرًا على التهديد والوعيد وزادت من الشوق للشهر الكريم.

وأشار إلى أن أغنية مرحب شهر الصوم وغيرها من الأغاني جعلت لشهر رمضان طابعًا مميزًا في مصر وكانت معبرة عن الشخصية المصرية التي تمزج بين الديني الأخروي والحياتي الدنيوي.

التأثير الحالي 

وعن عدم إنتاج أغنية بهذه القوة والتأثير في العصر الحالي يقول الدكتور حسين حمودة الناقد الأدبي: إن الأغاني كانت جزءًا من إيقاع الحياة التي كنا نعيشها في وقت من الأوقات ، وكانت متصلة بالإمكانات والأجهزة التي تبث هذه الأغاني.

لكن مع ظهور إمكانات أخرى أصبح هناك نوع من الإزاحة لبعض الفنون القديمة ، ولبعض أشكال التلقي ، وإنْ كان ممكنًا ملاحظة أن هناك عددًا كبيرًا من المستمعين لا يزالون يستمتعون بمثل هذه الأغاني ويشعرون معها بأنهم يعودون إلى حياتهم السابقة.

ويضيف "حمودة" أن هناك أشكالًا إبداعية جديدة احتلت مكانة كبيرة حيث الإقبال عليها في شهر رمضان ، وأغلبها يرتبط بالتليفزيون وبالمشاهدة وليس بالإذاعة والسماع ومن هذه الفنون مسلسلات رمضان والفوازير وبعض البرامج المتنوعة ، ويضيف الناقد الأدبي أنه ربما يمكن إعادة النظر في شكل هذه الأغاني من خلال ربط إنتاجها بإمكانات وجماليات العرض والمشاهدة ، فتصبح نوعًا من الأغاني المصورة.

النضج الفني 

ويقول جعفر أحمد حمدي الشاعر والباحث الأكاديمي في النقد الأدبي: إن أغنية "مرحب شهر الصوم" ناضجة فنيًا بما يناسب الذائقة الطربية للشعب المصري والشعوب العربية ، فالموسيقى الشرقية أكسبتها طابعًا خاصًا بما يتلائم مع روحانيات الشهر الكريم.

وأضاف أن هذه الأغاني بها الكثير من الصور الجمالية التي تعبِّر عن الشوق لشهر رمضان وكيفية استقباله بالترحاب والفرحة والسعادة وعددت فضائله وتغزلت في لياليه وجمالها ، مشيرًا إلى أن هذه الأغنية مزجت اللحن الأصيل بالكلمات المعبرة التي أضفت مزيجًا روحانيًا على الأجواء الرمضانية.

وعن الشعراء المؤهلين لكتابة مثل هذه الأغنية حاليًا يقول جعفر: "الساحة المصرية مملوءة بالشعراء القادرين على صوغ أغانٍ جميلة تتناسب مع الذائقة العربية والمصرية، ولكن العامل الطربي الشعبي لا يتناسب مع الآلات الحديثة ، يتفاعل معها بصورة مؤقتة ، لكن لا يجعلها في المخزون العقلي الجمعي للشعوب ونأمل أن تتوفر الفرصة للشعراء الحاليين لتقديم صورة جديرة بكسب الذائقة الشعبية".    

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية