رئيس التحرير
عصام كامل

روشتة إنقاذ "الرعاية المركزة" .. مصر تمتلك الإمكانيات والأزمة في نقص القوى البشرية.. وتوفير عوامل جذب للأطباء لمنع استقطابهم "ضرورة"

وزارة الصجة
وزارة الصجة

لسنوات طويلة ظلت المنظومة الصحية في مصر تعانى من أزمات متنوعة، سواء تلك المتعلقة بـ«نواقص الأدوية» أو النقص الحاد في أسرة الرعاية المركزة أو الأطقم البشرية.

 

تحدي كورونا

مع تفشى وانتشار فيروس كورونا «كوفيد - 19»، أصبح واضحًا أن جميع التحديات التي تواجه القطاع الطبى تتحسن حتى بعد انتهاء جائحة الكورونا إلا بعد إزالة تلك الصعوبات وحلها جذريا.

وبحسب أطباء الرعاية المركزة، فإنها منظومة معقدة ولا يمثل نقص الأسرة الأزمة الكبري بها، لأن النقص ليس في مصر فقط بل كل دول العالم، وظهر ذلك جليا عند انتشار وباء الكورونا لحاجة آلاف المرضي للحجز داخل أسرة الرعاية واحتياجهم لأجهزة تنفس صناعي وتسعي كل الدول لتطويرها وزيادة أعدادها.

منظومة الرعاية المركزة

وكشفت مصادر بوزارة الصحة والسكان عن أن منظومة الرعاية المركزة تضم ٥٣٦٨ سرير رعاية مركزة في جميع المستشفيات، بما فيها المستشفيات الجديدة التي افتتحت مؤخرا.

وحولتها وزارة الصحة إلى مستشفيات للعزل الصحي وسخرت إمكانياتها للعزل الصحي لإصابات كورونا، مشيرة إلى أنه بعد انتهاء تلك الجائحة سوف تعود تلك المستشفيات البالغ عددها ٣٠ مستشفى موزعة على محافظات الجمهورية بطاقتها الاستيعابية لاستقبال الحالات المرضية.

لكنها في الوقت ذاته ستظل مجهزة لأي أزمات قد تحدث، كما تمتلك المستشفيات الجامعية ٣٩٥٩ سرير رعاية مركزة كما يوجد لديها ١٥٢٤ طبيب تخصص تخدير ورعاية. وفي هذا السياق قال الدكتور أحمد كامل، أستاذ جراحة المخ والأعصاب، كلية الطب جامعة القاهرة: الرعاية المركزة تحكمها عدة معايير، منها أنها تحتاج إلى ممرضة لكل ٢ مريض على الأكثر.

وكذلك طبيب لكل ٣ أو ٤ مرضي عكس السرير الداخلي، حيث يمكن لممرضة واحدة متابعة ٢٠ مريضا، والأمر ذاته بالنسبة للطبيب، ومريض الرعاية يحتاج إلى أجهزة مساعدة سواء جهاز التنفس الصناعي أو جهاز لضخ الغازات والإضاءة والتعقيم المركزي ومراقبة لوضع المريض على مدار ٢٤ ساعة.

ويستطيع إجراء أي نوع من الأشعة في مكانه ولا يخرج من الرعاية إلا في حالة إجراء رنين مغناطيسي أو أشعة مقطعية أو قسطرة على المخ لأن لها تجهيزات مختلفة، كما أن جميع أنواع التخصصات الطبية تمر على المريض ويحتاج إلى جلسات علاج طبيعي ونظام تغذية معين صيدلة إكلينيكية، وفرق مكافحة العدوي وتحاليل يوميا له ونظام عمل صارم.

رسم القلب

وكذلك توفير أجهزة رسم القلب وقياس الضغط للمتابعة الدورية للمريض وجهاز للغسيل الكلوي لو احتاج المريض، وسرير الرعاية يحتاج إلى مراتب هوائية إلى جانب أنه يجب أن يكون سريرا متحركا.

أنواع الرعاية

وتابع: يوجد نوعان من الرعاية منها العامة والمتخصصة، سواء القلب أو والمخ والأعصاب أو الباطنة أو رعاية كبد أو الأطفال، مصر لديها أسرة أكثر مما تحتاجه إلا أن نسبة الأشغال تكون ٣٠% و٧٠% من الأسرة فارغة، لعدم وجود نظام ومع ذلك الناس تظل تبحث عن المكان الفارغ يكون فيه كل احتياجات المريض.

وتكلفة إقامة المريض في سرير رعاية في القطاع الخاص يمكن أن يتراوح من ١٠ إلى ٥٠ ألف جنيه في الليلة الواحدة، حسب ما يحتاج إليه المريض، وإجراء أشعة وتحاليل ووضعه على تنفس صناعي، وكلما احتاج إلى إمكانيات أعلي زادت تكلفة السرير له.

ومن مصلحة المريض الذي يتحمل تكلفة إقامته في الرعاية ألا يظل فيها وقتا طويلا خاصة مع زيادة فرص المشكلات والعدوي، وإصابة المريض بذهان الرعاية نتيجة ما يتعرض له، لأنه كل نصف ساعة يقيس ضغط أو يأخذ أدوية.

وبشكل عام فإن العمل بالرعاية للفرق الطبية يمثل ضغطا عصبيا رهيبا وفقدان الإحساس بالنهار لهم، وكذلك مواعيد زيارة محددة في الرعاية، كما أن هناك مرضي يحتاجون إلى عمليات جراحية كبري، لا يدخلونها في حالة عدم وجود سرير رعاية فارغ، لأنه ضروري بعد خروجه من العملية أن يظل في الرعاية المركزة.

غرف العناية

وكشف «د.كامل» أن «تخصص الرعاية من اندر التخصصات الطبية، ولا بد من تدريب الفرق الطبية جيدا على التعامل داخل غرف الرعاية التي يمكن وصفها بالطائرة التي تضم أجهزة متطورة ومعقدة ولا يمكن لأي شخص أن يقودها».

وأضاف: لا توجد إدارة موحدة لربط جميع الأسرة في مصر وتوضح أين النقص وطبيب متخصص يتواصل معها في حالة البحث عن سرير رعاية أو بروتوكول موحد للتعامل داخل الأسرة، بحيث يدرك المريض أن الخدمة التي يحصل عليها في أي مستشفى واحدة في أي مكان في مصر.

مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجب رفض مريض يحتاج سرير ويجب أن يتوفر له سرير في أي مكان آخر في الحال ويجب على كل المنشآت الطبية أن تبلغ عن الأسرة الفارغة لديها أول بأول معتبرا عدم الإبلاغ عن سرير فارغ خيانة.

نقص الأجهزة

ولفت «د.كامل» النظر إلى «وجود نقص في دور مراكز التأهيل التي يجب أن يخرج مريض للرعاية منها إلى مركز تأهيل خاصة في حالة مريض لم يعد يستفيد من وجوده بالرعاية ولا يمكنه الخروج المنزل فيتم وضعه داخل مركز تأهيل تضم أجهزة علاج طبيعي، وغالبية مرضي الرعاية.

إما كبار سن ومرضي حوادث أو أصحاب الأمراض مزمنة، وللأسف ما يحدث الآن أن المستشفيات إذا وجد بها سرير فارغ لا يتوفر بها الفريق الطبي والعكس مستشفيات بها أطباء بدون أجهزة، ولهذا يجب حصر الأجهزة لدى المستشفيات وتحديد المتوقف منها ومن يعمل بكفاءة وما يمكن تصنيعها أو استيرادها.

وظل الجائحة التي تعرضنا لها يجب تحديد النقص والاحتياجات وتشجيع الأطباء على التخصص في الرعاية وازالة العقبات لديهم».

التخدير

فيما قال الدكتور عادل علاء، مدرس التخدير والرعاية المركزة، كلية الطب، جامعة عين شمس: آخر ٣ سنوات ٥٠ %من الأطباء المتخصصين في الرعاية المركزة سافروا للخارج بسبب هجوم الإعلام والمواطنين.

ولهذا فإن طبيب الرعاية أصبح عملة نادرة في مصر ، حيث تستقطبه دول الخارج في ألمانيا وإنجلترا، إلى جانب أنه في مصر لا يوجد غطاء حماية للفرق الطبية بغرف الرعايات، ولا يوجد حصر بجميع أعداد الأسرة نظرا لوجود أسرة بالقطاع الخاص والجامعات ومستشفيات الصحة بجانب الرعايات الخاصة في إحياء صغيرة يلجأ إليها الأهالي في حالة عدم إيجاد سرير في مستشفى كبري.

تكلفة الإقامة

وتكلفة إقامة المريض في الرعاية تتراوح من ٣ إلى ١٠ و١٥ ألف جنيه أو أكثر حسب المستشفي والأدوية التي يحصل عليها المريض، في حين أن تكلفة تجهيز سرير رعاية مركزة تصل إلى ٣٥٠ ألف جنيه فقط لشراء سرير وشاشة وجهاز تنفس صناعي.

وأكمل: مصر لديها الإمكانيات اللازمة لإنهاء مشكلة الرعايات المركزة، إلا أنها لا تستخدم الاستخدام الأمثل ويجب حصر أسرة الرعايات في كل مؤسسات الدولة وغلق الأماكن الخاصة الصغيرة في الأحياء، واعتدنا في الآونة الأخير أن المريض الذي يذهب إلى قسم استقبال ويحتاج إلى سرير رعاية ولم يجد مكان فإنه إما أن يتشاجر ويعتدي على الأطباء ويكسر الأجهزة أو يجد سماسرة تدله على أماكن خاصة، وذلك لأنه لا يوجد نظام لتتبع مريض الرعاية المركزة بالمستشفيات.

الأطباء بالخارج

كما أشار إلى أنه «بعد انتهاء أزمة الجائحة سوف يغادر عدد كبير من الأطباء خارج مصر، نظرا لأن جميع الدول أدركت قيمة الطبيب، وسوف تستقطب الأطباء برواتب مغرية، في ظل استمرار حصول الطبيب المصري على بدل عدوي ١٩ جنيها».

في حين قال الدكتور عادل الأنصاري، أستاذ التخدير والرعاية المركزة، جامعة عين شمس: أسرة الرعاية المركزة ليست فقط مجرد أجهزة بل تحتاج إلى كوادر بشرية، ولا يوجد خريج كلية طب يستطيع التعامل داخل غرف الرعاية، لأنه يحتاج إلى تدريب معقد، وكذلك التمريض له دور في غاية الأهمية من ملاحظة المريض وتعلم العلامات الحيوية للمريض ومتابعة التنفس الصناعي.

وتابع: عدد الأسرة في مصر ليس المشكلة وكبري المستشفيات تضم أجهزة متقدمة تضاهي دول العالم، لكن الأزمة في تواجد القوى البشرية التي تشغل تلك الأسرة، ووجود طبيب متخصص يديرها، وجزء من الرعايات في مصر يدار بواسطة غير متخصصين سواء طبيب جراحة أو باطنة، كما أن مريض العناية يحتاج إلى طبيب على دراسة بكل التخصصات الطبية.

كما أن جزءا كبيرا من مرضي الرعاية المركزة يدخلون إليها في حالة متأخرة والجسم يحتوي على بكتيريا مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية، نظرا للاستخدام العشوائي لها طوال حياة المريض دون رقابة ودون استشارة طبية، مما يسبب مقاومة الجسم لكل أنواعها وعندما يدخل الرعاية يقف طبيب العناية عاجز عن فعل شيء للمريض.

وأكمل: نظام العمل بداخل أسرة الرعاية يحتاج إلى إعادة تنظيم وتوحيد بروتوكولات العلاج ووضع قواعد لخروج ودخول المريض وفترة تواجده بالمستشفي، وكذلك إجراءات مكافحة العدوي ومنعها وعلاجها أمر صعب، مع الأخذ في الاعتبار أن المريض الأسوأ من حيث الحالة الصحية هو من يذهب إلى الرعاية فضلا عن معدلات وفاة مرضي الرعاية موجودة في كل دول العالم ولا تعتبر النسب مرتفعة في مصر مقارنة بالدول ويتوقف ذلك حسب خطورة المرضي.

الحالات الحرجة

من جانبه قال الدكتور أشرف عطشي، استشاري جراحة القلب والصدر: الرعاية الفائقة تسمي وحدة الحالات الحرجة يدخل إليها المريض مصاب بفشل التنفس أو جلطة حادة في القلب أو المخ والأعصاب أو غيبوبة سكر، وهي عبارة عن ٣ مكونات أولا الأسرة وثانيا المعدات وثالثا القوى البشرية، ويجب أن يكون سرير الرعاية مرنا يتحرك حسب وضعية المريض مزودا بمرتبة هوائية حتى لا يصاب المريض بقرح فراش.

وبجانب كل سرير شاشة توضح للطبيب رسم قلب وجهاز ضغط على يد المريض، لقياس الضغط على فترات وقياس نسبة الأكسجين في الدم وجهاز صدمات كهربائي في حالة توقف عضلة القلب للمريض ومنظار وأنبوبة حنجرية لو مريض لديه فشل في التنفس وتوفير جهاز أشعة متنقل حتى لا نحرك المريض.

وحول أبرز التحديات التي تواجه منظومة الرعاية، قال «د.أشرف»: هناك تحديات عدة منها قلة القوى البشرية من أطباء وتمريض، كما أن الرعاية تخصص لا يجعل الطبيب يفتح عيادة خاصة وغالبية وقته داخل المستشفي بغرفة الرعاية، وأصبحوا حاليا عملة نادرة ولديهم فرص السفر كبيرة لأنهم يحصلون على تقدير كبير في الخارج.

ولهذا يجب أن تكون جائحة الكورونا فرصة لتسليط الضوء على منظومة العناية المركزة والفريق الطبي فيها وكيفية تعويضه ليستمر في عمله بدلا من السفر للخارج، لا سيما أن الفرق الطبية التي تعمل في الطوارئ والعناية مهضوم حقها.

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية