تسييس الفيروس
لا ينسى الإنسان وهو بعد فى أوج أزماته، وحياته وحياة من يعول تتعرض للموت الداهم، أنه حيوان سياسى. تحولت المؤتمرات الصحفية اليومية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تجمعات انتخابية أمام شاشات البيوت، يرسل من خلال الإفادات الإجرائية لحكومته لمكافحة انتشار الوباء التاجي في الخمسين ولاية، رسائل سياسية داخلية وخارجية.
لن نتعرض للداخلية لأنه فى مأزق حقيقي الآن بسبب الفيروس التاجى الذى التهم تقريبا معظم ثمار نجاحاته الاقتصادية.. وأفسح الطريق سهلا أمام خصمه الديمقراطى جو بايدن. سنركز على الغمز واللمز السياسي الخارجى فى إفادات ترامب اليومية من البيت الابيض وفرسانه من حملة الإنقاذ الوبائي متراصون من خلفه.
تلاحظون أنه بات يستخدم وبإصرار تعبير الفيروس الصينى .Chinese virus. ورغم احتجاج الصين على نسبة الفيروس القاتل إلى اسمها؛ فإن مايك بومبيو وزير الخارجية كرر استعمال التعبير المغيظ للصين. بالطبع كانت الصين أول من سيس الفيروس حين نسبت إلى معامل الجيش الأمريكي تخليق فيروس ثنائي التركيب. سارس وإنفلونزا.
اقرأ أيضا: تأملات فى الوباء: الدول.. سجون كبيرة
استدعت واشنطن السفير الصينى واتجت وطلبت الدليل على التضليل الصينى من وجهة نظرها. واضح أن الصين لم تقدم الدليل. ومع ذلك فإن نظرية المؤامرة تتردد فى أركان الكرة الأرضية.. حتى وعدد الإصابات يتجاوز العشرة الآف أمريكي، ناهيك عن وضع ٧٥ مليون أمريكي قيد الحجر الصحي وخسائر بالتريليونات.
وإذا كان القصف السياسي الفيروسي ماضيا بين بكين وواشنطن؛ فإن الأخيرة لم تتوقف لحظة عن مهاجمة طهران جنبا الى جنب مع الفيروس. عشرون ألف مصاب ايراني. ومتوف كل عشرة دقايق. كارثة حقيقية. مع ذلك يغرد ترامب ناعيا على الإيرانيين قادتهم المقصرين.
اقرأ أيضا: العالم في خطر
والآن خذوا الألعن حقا!.. قالت طهران إنها اشترت من بريطانيا ملايين الكمامات ثم رفضت بريطانيا تسليمها إلى إيران بسبب العقوبات. لا ينسى الإنسان حقارته حتى والسماء تنذره بغضب عظيم.. أمس أعلنت طهران عن تجربة لقاح جديد نجح سريريا.. ماذا لو احتاجته إسرائيل أو أمريكا أو أي دولة في العالم؟
العلم لا جواز سفر له. العلم حق للبشرية. والعلاج ماء وهواء لكل البشر. ثم ما يضحك ويبكي حقا.. إن أسقطت خلايا استخباراتية مجهولة، صوتا مركبا على صوت الرئيس الصيني فى كلمة له من العام الماضي يحتفل فيه مع شعبه ببدء العام الصينى الجديد. الكلام الساقط على صوت الرئيس الصيني يتحدث عن اتهام أمريكا بتخليق الفيروس في معامل بأفغانستان.
اقرأ أيضا: الدولة الأبوية.. مصر نموذجا!
أما نحن فى مصر فنالت وزيرة الصحة والقيادة المصرية دعاية سياسية فى إتجاه إيجابى، رغم أن مصر لم تقل أبدا أنها لديها علاج أو لقاح جاهز أهدته الى الصين. ولمزيد من الحبكة والمعلوماتية زجوا بمجلة الفورين بوليسي في القصة، ولمزيد من بناء المصداقية أوضحوا أن هذه المجلة ذات علاقة بالمخابرات المركزية الأمريكية. بالطبع نتمنى لو لدى مصر اللقاح أو الدواء.
القصة ذاتها نشرت مع غلاف مجلة فرنسية تحمل صورة الرئيس السيسي الذي يحل أزمات العالم. راجعت تاريخ المجلة ودققته ووجدته لعام ٢٠١٤. مديح في الرئيس ونجاحه في قيادة مصر وسط العواصف بعد ثورة ٣٠ يونيو.
الإنسان كذاب بطبعه. فاسد بطبعه. مضلل بطبعه. عدواني بطبعه. لو لم يكن هذا طبعه ما أنزل الله الرسل لإصلاح الطباع الفاسدة والكاذبة والعدوانية. جاء الوباء ليؤكد حيوانية الإنسان.. السياسي!