قتلة عمرو عبد السميع
لم تكن مشكلة عمرو عبد السميع أنه مهني وجورنالجي موهوب بل لكونه متعدد المواهب، فقد جمع بين دراسته الأكاديمية كأستاذ في الصحافة عن جدارة وأديب وكاتب ورسام وصحفي ومقدم برامج وصاحب بديهة سريعة..
والأهم من كل ذلك أنه كان أكثر أبناء جيله في القراءة المتعمقة وحافظا لسيرة البشر ولديه وجهة نظر في الحياة وكل من حوله كان يعرف أصل وفصل كل زملاء المهنة، وصاحب ذاكرة جبارة يستدعيها وقتما يشاء، على عكس معظم أبناء جيلنا ورغم كل ذلك عاش عمره محسودا ومتهما من زملائه بأنه مهني أكثر مما ينبغي..
خاصة أنه كان مرشحا طوال الوقت للأهرام رئيسا للتحرير أو لمجلس الادارة، ولهذا ظل محاربا بضم الميم وفتح الراء وكانت نكسته في كل مرة تبوؤ تلك المناصب من لا يستحقها من وجهة نظره، وكان صاحب حجة قوية في تدمير من يختلف معه، ويطرحهم أرضا بالضربات القاضية المهنية، ولم يحصل على المنصب.
اقرأ أيضا: السيئة تعم للعالقين قسرا
ورغم أن الأمر كان فيه بعض من المرارة ، إلا أنه كان يعرف كيف يملأ فراغ المواهب بفيض كبير من إنتاج كتب أو كتابة مقالات أو إدارة حوارات تلفزيونية، كان له في كل منها نكهة خاصة وقدرة متميزة ونجح أخيرا في الحصول علي عمود يومي بالأهرام، ولكن بعد أن هده المرض وفرض عليه حظر التنقل كما كان يحب..
وعندما رحل فجأة هب الكل بذكر مآثره المهنية وصفاته كأحد أهم وأبرز أبناء هذا الجيل الذي لم يحصل علي حقه، وربما لو قرأ عمرو في حياتة عُشر ما قيل بعد رحيله لاستراحت نفسه المجهدة، وردت له بعضا من حقوقه المهنية المسلوبة، بل إن بعض قتلته راحوا ينشرون مقالات رثاء ويؤكدون علي صداقتهم وهم كذبة، وأنا شاهد على معظمهم بل كانوا يحاربونه بخسة وندالة في عمله ودخله..
وأذكر أنني طلبت من أحدهم النظر في راتبه فقال بتأفف يكفيه ما حصل عليه في لندن وواشنطن، وكلما كان المنصب يقترب منه كان يكثر حساده ويفتعلون معه المعارك، وكاد المنصب أن يكون بين يديه في التغييرات الصحفية الشهيرة عام ٢٠٠٥ لتولى رئاسة تحرير الأهرام، وقد أبلغه أكثر من مسئول بالقرار بل وقاموا بتهنئته قبل الإعلان بـ 48 ساعة كاملة؛ وصدق الرجل وراح يعد نفسه ويختار مساعديه..
اقرأ أيضا: الخيار المصري المر
لكن تم التنكيل بهم فيما بعد وأصبحوا من المطرودين من جنة الرؤساء الجدد، فخسرت الأهرام أهم فريق مهني ومعهم عمرو خاصة إنه كان لديه مشروع مهني متكامل للارتقاء بجريدة الأهرام ودفعها لمستويات عالمية، تنافس علي المستويين العربي والدولي وفِي نفس الوقت يحافظ على شخصية الأهرام المحافظة التاريخية ويطورها..
وكما يكشف جلال نصار الصحفي الموهوب والمؤهل علميا إن عمرو كان لديه تصور لكل صفحة وكل قسم وقوائم جاهزة فى ذهنه من خلال متابعته اليومية الدقيقة لمستوى الجريدة، ورصد لكل المهنيين فى الأهرام اليومى والإصدارات حيث كان يرى أنها "لحظة قوة الأهرام الشاملة"، وأنها لحظة تجمع كل المهنيين والكفاءات للنهوض بالجريدة وتطويرها..
وأن يتصدى للمشروع قاطرة من المهنيين تساهم فى تلك النقلة وإحداث الفارق مع كل الصحف والمؤسسات وقادرة على المنافسة والتفوق. وكان بالفعل قادرًا ومؤهلا لذلك وجأت التغييرات مفاجئة بخصمه التاريخي وابن دفعته..
اقرأ أيضا: المعارضة الرشيدة المطلوبة
وكان عمرو يري فيه أنه في أمس الحاجة لإعادة تعليم وأنه لا يقرأ ولا يصلح سوى كمندوب في وزارة يأتي بالأخبار من العلاقات العامة، ولذا كانت صدمته بالغة وعندما إنتشر خبر استعداداته لتولي الاهرام ضاق صدر. المسئول الجديد وراح يحاربه بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة بل راح يعاقب أصدقاء عمرو المقربين وعندما تسأله يقول في تهكم ده (صاحب عمرو يا سيدي).
كان مشروع عمرو عبد السميع للأهرام اليومى يرتكز على المحتوى الراقى المهنى والأقلام الرشيقة والمصادر الرفيعة؛ وكان يرى دورا بارزا للثقافة والتنوير والفن والرياضة؛ وقوالب وإيقاعات حديثة للخبر والتقرير والتحقيق والحوار..
وكان يرى حينذاك أن الصحافة القومية لا تقوم بدورها ليس فقط لابتعادها عن القارئ وإرتباطها بالحكومات ولكن لضعف المهنية وتدهورها الذى جعلها لا تخدم حتى دورها بمساندة الدولة وتوجهاتها ففقدت أهم شروط دعمها واستمرارها. وخسرت الأهرام من كان قادرا علي نقلها لمستويات عالمية ورقمية والحكاية ليست حكاية عمرو عبد السميع ولكنها حكاية كل مهني خاصة لو كان موهوبا.