السيئة تعم للعالقين قسرا
هذه لحظات حاسمة لعودة الدولة والحكومات للتدخل بعمق وقوة في إدارة الشأن العام، من الصحة إلى الاقتصاد. بل وهي فرصة لاستعادة المصداقية والثقة بين السلطة والشارع، ولهذا تسعى الحكومات في كل الدنيا إلى إجلاء مواطنيها من كل دول العالم..
فإن لم يكن واقع الحال يحتم ذلك فإن المواطن بطبيعة الحال يصر على العودة إلى وطنه في أوقات الأزمات، فالطبيعة البشرية تدفع الإنسان إلى الوطن حيث الأهل والأحباب، والاحتماء بوطن يعرف تفاصيل التعامل مع دوائره الحكومية وأنظمته القانونية وطبائع سلوكه الاجتماعية.
وفي أغلب دساتير العالم إن لم يكن كلها، يتحتم على الحكومة أن تعيد مواطنها من الخارج ما إن يطلب ذلك، وإن لم تنص القوانين والدساتير، فإن المواثيق الدولية وفي القلب منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نص على حرية التنقل والسفر ومن ثم حق العودة إلى الوطن..
اقرأ أيضا: التجربة الصينية
وقد أظهرت الدولة المصرية خلال أزمة تفشي وباء فيروس كورونا قوتها وهيبتها الدبلوماسية والخارجية في رعاية أبنائها المصريين الذين يعملون بالخارج، سواء ممن كان يعمل في دول خارجية عربية أو أوروبية وكذلك الطلبة الدارسين في بعض الجامعات الأجنبية، فضلًا عن الأسر التي تعيش في مناطق انتشار الوباء الجديد..
وعملت كافة الوزارات المعنية على تقديم الرعاية الكاملة للمصريين بالخارج سواء بالإجلاء الفوري بدون أي نفقات أو عن طريق توفير عبور أمن لحدودنا المصرية، أو تسهيل الإجراءات والمواد الطبية والإنسانية في المناطق التي يقطنون فيها.
وبالفعل تحرك أسطول مصر للطيران في شتى بقاع الأرض لاستعادة هؤلاء العالقين وكان يمكن أن تستمر تلك السيمفونية لولا التعامل العصبي الذي ظهر بعد أن قام بعض العائدين بإثارة الشغب ورفض الحجر ورفض دفع تكلفته، فما كان من بعض أركان الحكومة إلا أن تعاملت بعصبية وأخذت الأغلبية بذنب أقلية ضئيلة وقررت وقف جلب العالقين بمنطق الحسنة تخص والسيئة تعم، وهو ما لا يجوز خاصة وأن البدايات لجسر عودة هؤلاء العالقين كانت مبشرة بخدمة فريدة تقدمها الدولة المصرية لرعاياها..
اقرأ أيضا: مدرسة السد العالي المهنية
وزاد الطين بلة أن راح بعض الإعلاميين في وصلات سباب لكل المصريين بالخارج وليس العالقين فقط، والغريب إن الدولة المصرية تعاملت بحرفية ورشد وثقة وهدوء في إدارة الأزمة باستثناء التعامل مع العالقين.. حدث ذلك بينما كان ترامب يتباهى بإعادة 40 ألف أمريكي كانوا عالقين في دول أخرى، وتم إعادتهم على متن 400 رحلة جوية من 75 دولة.
وقد فضحت الجائحة المجتمعات الغربية بأن الرأسمالية العنيفة وعلى الرغم من التنظيم الديمقراطي وحكم القانون السائدين كادت تترك المواطنين بمفردهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة، بينما المجتمعات في الشرق وعلى الرغم من غياب الديمقراطية تظل الدولة الفاعل المجتمعي الأكثر قدرة على مواجهة الأزمات الكبرى، وتقديم مظلات الأمان المطلوبة لتجاوز الأخطار المحدقة بالمواطنين صحيا واقتصاديا.
ثم أن هؤلاء المصريين العاملين بالخارج يقدمون للدولة المصرية سنويا عدة مليارات تساهم بنسبة كبيرة في توفير العملة الصعبة، ربما بأكثر من أي قطاع آخر، وقال البنك المركزي إن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت بنسبة 12.1% خلال أول خمسة أشهر من العام المالي الحالي؛ لتصل إلى 11.1 مليار دولار، مقابل 9.9 مليار في الفترة المقابلة من العام المالي الماضي، بزيادة 1.2 مليار.
اقرأ أيضا: الوصايا العشر لمواجهة سد النهضة
وشهدت تحويلات المصريين المغتربين زيادات متتالية منذ تعويم الجنيه ونجاح الدولة والبنك المركزي في احتواء السوق السوداء التي كانت تجتذب جزءا كبيرا من هذه التحويلات. وسجلت التحويلات نحو 25.15 مليار دولار في العام المالي 2018/ 2019، مقابل نحو 26.392 مليار بنهاية العام المالي 2017 /2018، بتراجع قيمته 1.2 مليار دولار، وفقًا لتقرير ميزان المدفوعات.
وكانت التوقعات أن تهبط التحويلات الخارجية خلال العامين المقبلين قبل أن تعاود الارتفاع بداية من 21/ 2022، لتصل تحويلات المصريين العاملين في الخارج لنحو 24 مليار دولار في العام المالي 2019/ 2020، ونحو 23 مليار في العام المالي 2020/ 2021، وانخفاضًا من 25 مليار دولار في العام المالي 2018 /2019.
وكان من المتوقع أن تكون التحويلات المالية ستستعيد قوتها في العام المالي 21/ 2022 و2022/ 2023، نتيجة الإصلاحات التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي على مستوى الاقتصاد غير البترولي.