رئيس التحرير
عصام كامل

أقدم مسحراتي بالقليوبية.. "سرور".. 40 عاما من إسعاد الناس رغم ظروفه الصعبة | صور

سرور المسحراتي
سرور المسحراتي

الطيبون، أنقياء القلب هم من لا يتمتعون بالسعادة في حياتهم الخاصة.. ولكنهم يجيدون صنعها ونشرها فيمن حولهم..

هذا هو حال أقدم "مسحراتي" بالقليوبية.. واسمه حمدي  محمد موسي حمزة والشهير بحمدي سرور الذي أفنى ما يقرب من نصف قرن ينشر السعادة في قلوب وبيوت أهالي مدينة الخانكة  بمحافظة القليوبية على مدار سنوات عمره، بالرغم من ظروفه المعيشية الصعبة ولكنه راضٍ بقضاء الله رابض على طبلته.. موزعا البهجة على الجميع عبر  مهنته التي ورثها عن جده وعمه.

 

 مكان المعيشة 

وسط حارة ضيقة مليئة بالوجوه البشوشة التي لم تستطع الظروف الاقتصادية والمعيشة الصعبة وضيق المنازل التي يقطنونها أن تستقطع من ابتسامتهم التي ارتسمت على الوجوه الراضية بالقليل..

في منزل من بين تلك المنازل يضطر الداخل إليه للانحناء قليلا بمنطقة السنجارة بمدينة الخانكة بمحافظة القليوبية.. تدخل لتفاجأ بأنه مكون من غرفة واحدة.. تكاد تسقط على قاطنيها.. ومكان بالكاد يستر أجساد من فيه عن أعين الناس.. يستقبلك "حمدي سرور" أقدم مسحراتي بالقليوبية.

العمل القديم

الرجل ذو الـ 67 عاما والذي  أفني عمره يأكل بالحلال بين العمل في "الكسح".. وبعدها الالتحاق بوظيفة في وزارة الأوقاف.. إلى أن خرج على المعاش بالتوازي مع مهنته المعروفة للجميع كمسحراتي.. التي عرفها منذ نعومة أظفاره وأوصى ابنه بألا يتركها حتى لا تندثر أو تنتهي مع موته عندما يواريه التراب.

حارة ضيقة

سرور ليس اسما يحمله الحاج حمدي.. ولكنه واقع يعيش فيه جعله يستطيع أن يرى الحوائط المتهالكة وضيق المعيشة والمرض ابتلاء من الله فتقبل شظف العيش بالسرور والفرح.. وحاول نشر تلك الطاقة بطبلته على مدار 40 عاما.. يجوب خلالها الحواري والشوارع.. مناديا كل فرد باسمه "اصحي يانايم وحد الدايم.. رمضان كريم".

شوارع المنطقة

"ياحاج احمد.. ياهنا.. يا أم إبراهيم.. يا حاج سعيد.. ياحاج سيد".. هكذا يحفظ سرور، عن ظهر قلب، كل فرد بشوارع مدينة الخانكة بترتيب المنازل، مشيرا إلى أنه في أول يوم من شهر رمضان المبارك، يحفظ الأسماء الجديدة.. وقبل أن تنتهي الأيام الخمس الأولى من شهر رمضان يكون قد حفظ كل الأسماء وأتقنها جيدا بفضل الله تعالى.. ويهرول خلفه الأطفال حاملين فوانيسهم في فرحة وسعادة.

 رمضان 

"حزين جدا أن يأتي رمضان هذا العام والمساجد مغلقة”.. هكذا عبر سرور عن مشاعره تجاه رمضان هذا العام، مشيرا إلى أنه متفائل ويدعو أن يصلح الله الأحوال ويرفع البلاء ببركة رمضان، مشيرا إلى أنه يمارس عمله كمسحراتي في ساعات الحظر التي فرضتها الدولة.. ويوقظ الناس بمفرده.. ولكن في نطاق محدود من الشوارع.. حتى لا يحدث تجمع في الشوارع.. ولكنه يصر على ممارسة عادته السنوية ليبث التفاؤل في النفوس ويمسح الحزن الذي خيم على القلوب بسبب غلق المساجد في الشهر الفضيل.

 سحور مختلف 

أكمل سرور أن السحور في نهاية شهر رمضان يختلف عن آخره.. فأول رمضان يكون مناداة بالأسماء.. وآخر الشهر الكريم يكون السحور عبارة عن تواشيح منها: "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام".. لتوديع الشهر والتعبير عن الفرحة بقدوم العيد.. وفي صباح أول أيام العيد.. وبعد أداء صلاة عيد الفطر، يقود سرور زفة لتهنئة الأهالي.. وينادي عليهم.. كل باسمه.. قائلا: "كل سنة وانتم طيبين"..

ويحرص الأهالي على إعطائه العادة.. وهي عبارة عن "طبق " كعك من صنع كل منزل كهدية ومكافأة على إيقاظهم طوال الشهر.

وأوضح سرور أن طبلته التي ورثها عن عمه كانت طبلة نحاسية  قديمة لها تاريخ.. ولكن للأسف تعرضت للسرقة وحزن عليها جدا  فاستبدلها بطبلة عادية اشتراها من ميدان الإمام الحسين بالقاهرة.. ويحافظ  عليها دوما.. ويضعها في "مسمسار" بالحائط لينظر إليها طوال العام بين الحين والآخر لتعطيه الأمل بقدوم شهر رمضان الكريم، وتحسن الأحوال.

وصيته 

"وصيتي ألا تدفن المهنة معي".. هكذا يخبرنا سرور أنه أوصى ابنه  الذي يرافقه بين الحين والآخر بضرورة أن يعمل بنفس المهنة في حالة وفاته حتى لا يندثر هذا الموروث ويدفن معه ولكي يظل منزل سرور هو بيت  "المسحراتي" الذي ينتظره الجميع كل عام في رمضان ليوقظهم.

“راض بقضاء الله فلم أطلب يوما مساعدة أو منة أو إحسانًا من أحد.. والرزق بيد الله”.. عبر سرور عن حالته المعيشية الصعبة في منزل متهالك.. واختبره الله بفقد اثنين من أبنائه ولديه اثنان آخران.. تزوج منهم واحد فقط ويعاني من أمراض صدرية.. ولكنه ما زال  يستطيع الوقوف على قدميه والتجول في الشوارع وهي يراها نعمة كبيرة لا تضاهيها نعمة، متمنيا أن يعود رمضان كما كان.. ويستمتع الناس بالروحانيات الموجودة به.

ووجه سرور نصيحة للناس أن يتراحموا فيما بينهم ومن يستطيع فعل أي تصرف ولو بسيط لإدخال البهجة على شخص يفعل فورا دون تردد فالابتسامة في وجه أخيك صدقة، معبرا عن حزنه لاندثار مهنة المسحراتي في كثير من البلدان والأماكن رغم أنها علامة مميزة لرمضان وتعطيه مذاقا خاصة.. فقديما كان المسحراتي يسير في الشوارع قبل رمضان بيوم ليعلم الناس بالصيام قائلا: "بكرة صيام".. ولكن مع مرور الزمن يبدأ التسحير من ثاني يوم.

وأشار سرور إلى أن المواطن لم يعد لديه صبر.. وسرعة الحياة غيرت الكثيرين.. ومعظم من عشقوا مهنة "المسحراتي" ومارسوها ليسوا الآن على قيد الحياة.. وبوفاتهم اختفت المهنة للأسف وجيل الشباب لا يعترف بالمهنة وأهميتها فلو تبرع شخص من كل منطقة بممارسة تلك المهمة لتغيرت ملامح رمضان وعاد كما كان.

واقترح سرور أن يتبنى الجيل الجديد المهنة ويدخلوا عليها تحديثات جديدة ويطوروها لتجذب المواطن وتزرع في نفوس الأطفال تلك العادات والتقاليد التي هي سمة أساسية من سمات المجتمع المصري.

الجريدة الرسمية