رئيس التحرير
عصام كامل

عمرها 85 عامًا وصمدت حتى في عصر السوشيال ميديا:  "وحوي يا وحوي".. أغنية الأبناء والآباء والأجداد.. وترجمة مشاعر المصريين سر النجاح 

فيتو

“وحوي يا وحوي.. إياحه/ رحت يا شعبان.. إياحه/ وحوينا الدار جيت يا رمضان/ وحوي يا وحوي”.. لا يسع المرء فور سماع هذه الأغنية إلا أن يغمره فيض من المشاعر الجميلة والاستثنائية فهي تستدعي كافة الذكريات السعيدة التي ترتبط بشهر رمضان الكريم من انتظار سماع أذان الإفطار ولمة الأهل على الموائد واللعب بالفانوس مع الأقران في ليالي رمضان الساهرة.

 

أغنية الأجيال 

ولعل تعلق جميع الفئات العمرية بأغنية "وحوي يا وحوي" وارتباطها المتأصل بذكريات طفولة الأبناء والآباء وحتى الأجداد هو عمر الأغنية نفسه الذي تخطي الـ85 عامًا فرغم مرور عقود طويلة منذ أن بثت لأول مرة في الإذاعة المصرية إلا أنها ما زالت قادرة بكلماتها الشعبية ولحنها البسيط على مواكبة التطور والتواجد على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ومحطات الراديو أيضًا.

ورغم بساطة كلمات الأغنية إلا أن تاريخ مصر العريق ينعكس على سطورها فيقال إن كلمة "وحوي" تعني أهلًا وسهلًا وكلمة "إياحه" تعني القمر في اللغة الهيروغليفية وقد خرج الشعب المصري لاستقبال الملك أحمس العظيم بعد انتصاره على الهكسوس المحتلين وطردهم من البلاد مهللين ومرددين "وحوي.. إياحه" أي أهلا وسهلا بالقمر لتظل تلك العبارة عالقة في أذهان المصريين يستخدمونها للترحيب بكل غال لديهم وتتناقلها الأجيال وتتحول إلى جزء من التراث الشعبي المصري.

 

ولم يكن يعرف المطرب الشاب أحمد عبد القادر آنذاك أن أغنيته "وحوي يا وحوي" التي لم تُكتب له في الأصل ستحقق نجاحًا يدوم عمرًا أطول من عمره وشهرة أكبر من شهرته ويظل سماعها في الإذاعة أو في الشارع أو عبر التليفزيون بشارة باقتراب قدوم شهر رمضان الكريم في مصر وكافة الدول العربية أيضًا.

"يكتر خيرك أشكال وألوان بكرة في عيدك نلبس فستان.. وحوي يا وحوي" تكشف كلمات الأغنية أنها كتبت على لسان سيدة وكان من المقرر أن تؤديها المطربة المصرية سيدة حسن إلا أن وعكة صحية ألمت بها حالت دون غنائها فلما كان أحمد عبد القادر أحد مطربي الإذاعة وقتها تم اختياره لتأديتها بدلًا منها.

والغريب في الأمر أن أحمد عبد القادر لم يكن مرشحًا لغناء "وحوي يا وحوي" فقط بل أيضًا أغنية أخرى من أهم وأبرز أغاني رمضان وهي "رمضان جانا" إلا أن الإذاعة طلبت منه الاكتفاء بإحداهما فاختار أن يتنازل عن الأخيرة إلى المطرب محمد عبد المطلب ويتم بث الأغنيتين في نفس العام ويشاء القدر أن يعيشا إلى الآن في قلوب الملايين.

 

شهرة منقوصة

رغم تاريخه الطويل والحافل بعشرات الأغاني والألحان وصوته العذب المبهج إلا أنه لم يحظ بالقدر الكافي من الشهرة ومحبة الناس ولم يسجل كثيرا عن تفاصيل حياته حتى إن المصادر قد اختلفت المصادر حول سنة ميلاده ومسقط رأسه.

ولكن المرجح أنه ولد بين عامي 1910 و1916 في محافظة الشرقية أو كفر الشيخ وحفظ القرآن الكريم في طفولته ثم نزح إلى القاهرة واعتمد قارئا ومبتهلا في مسجد الحسين والتحق بقسم الأصوات والعزف على العود في معهد فؤاد الأول للموسيقى لتبدأ مسيرته الطويلة مع الإذاعة المصرية كمطرب بالإضافة إلى تلحين الأغاني لمشاهير المطربين آنذاك أمثال: سعاد محمد ، نجاة الصغيرة ، صالح عبد الحي ، فايزة أحمد ، وهدى سلطان وغيرهم.

وحظت العديد من تلك الألحان على شهرة واسعة مثل: غريب الدار ، جميل وأسمر ، وأول ما سهرت يا قلبي وغيرها وفي آخر سنوات حياته أدى فريضة الحج عام 1976 وفي نفس العام قرر اعتزال الغناء والتلحين والاكتفاء بالعمل كمقرئ للقرآن الكريم ومبتهل وعاش حياة التصوف والزهد حتى رحل عن الدنيا في هدوء عام 1984.

كما تقاسم أحمد عبد القادر النجاح الخالد لأغنية "وحوي يا وحوي" مع الشاعر حسين حلمي المانسترلي والملحن الشريف ، تقاسموا أيضا أقدارا تتشابه إلى حد بعيد فقد تمتعوا بمواهب متعددة ولهم إنتاج غزير وتاريخ طويل في عالم الفن وشاركوا في تأليف وتلحين كثير من الأعمال السينمائية والغنائية مع مشاهير الوسط الفني آنذاك إلا أنهم جميعا لم يحظوا بالشهرة التي تليق بهم.

وقد ولد "المانسترلي" في القاهرة عام 1898 عمل في بداية حياته موظفا بوزارة المعارف إلى أن تخلي عن الوظيفة ليتفرغ لكتابة الأشعار والروايات الفنية وأهّله عمله مديرا لشركة أسطوانات للتعرف على أهم مطربي وملحني عصره مثل أم كلثوم ، بديعة مصابني ، محمد عبد الوهاب ، ليلى مراد ، محمد عبد المطلب ، ورياض السنباطي وغيرهم ، وحرص دائما على أن يكون منزله مقصدا لعشاق الفن.

متحف 

وأصبح قصر المانسترلي المطل على النيل بجزيرة الروضة أحد أهم المنتديات الثقافية في عصره ، وبعد أن توفي عام 1962 تحول القصر إلى متحف وخصصت الحكومة المصرية جزءا منه لعرض مقتنيات أم كلثوم أيضًا.

أما الملحن أحمد الشريف فلم يعرف تاريخ ميلاده بشكل دقيق إلا أنه على الأرجح ولد في عشرينيات القرن الماضي كان يتمتع بصوت شجي أنشد به طفلا في حلقات الذكر مع والده ثم جاء إلى القاهرة وحصل على دبلوم المعهد العالي للموسيقى ، بدأ حياته مطربا في مسرح بديعة مصابني ، وكان من أوائل المطربين الذين انضموا إلى الإذاعة المصرية فور افتتاحها في عام 1934 إلا أن ولعه بالعزف والألحان غلب موهبته في الغناء وظهر الطابع الشعبي والفلكلوري على إنتاجه الغزير من الألحان فإلي جانب عمله بمسرح بديعة مصابني الذي لم ينقطع حتى آخر عمره ، لحن عشرات الأغاني والاسكتشات الإذاعية وكذلك أغاني الأفلام السينمائية ومن أهم أعماله وأشهرها: "يا عرقسوس شفا وخمير" ، و"يا حلوة يا بلحة يا مقمعة" والعديد من أغاني الأفراح مثل: "مبروك عليكِ عريسك الخفة" ، و"اتمخطري يا حلوة يا زينة" وغيرها ورغم إسهاماته الفارقة في إثراء الفن المصري والتراث الشعبي بألحانه إلا أن محطات حياته لم تسجل بدقة حتى اختلفت المصادر أيضا حول التاريخ الحقيقي لوفاته الذي وقع -حسب غالبية الروايات- بين عامي 1966 و1969. 

لم يكن يعلم صناع أغنية وحوي يا وحوي أن عمرها سيتخطى أعمارهم بعشرات السنين ولكن في حوار نادر للمطرب أحمد عبد القادر قبل شهور معدودة من وفاته لخص في عبارة واحدة سر نجاحها وقربها من قلوب غالبية الشعب المصري رغم اعتقاده –آنذاك- أن تغييرا كبيرا قد طرأ على أجواء الاحتفال بشهر رمضان ودرجة قرب الناس وإظهار محبتهم لبعضهم البعض فيقول: "استطاعت ترجمة مشاعر ووجدان وأحاسيس المصريين".  

الجريدة الرسمية