رئيس التحرير
عصام كامل

المهددون بالموت فى السجون

بينما كنت أقلب صفحات المواقع الإلكترونية العالمية بحثا عن آخر تطورات الموقف من أزمة كورونا، والتوهان في بحر المعلومات المتنافرة والمتناقضة القادمة من كل العواصم التي كنا حتى وقت قريب نحسبها بيت المعلومة الدقيقة، وردت إليّ رسالة من الصديق أحمد رأفت محرر شئون مجلس الوزراء يزف إلينا خبرا بأن الدكتور مصطفى مدبولى سيدلي ببيان مهم خلال دقائق.

 

تواصلت مع أحمد طالبا منه المتابعة عن قرب وأمسكت بريموت التلفاز للبحث عن رئيس الوزراء.. دقائق معدودات وأطل علينا بهيئته الهادئة وهو يرصد على الشاشة الموقف كاملا.. أطلق مدبولى بصيص أمل في عودة الحياة ولكن بحرص شديد وفهمنا من البيان أن عجلة الإنتاج لابد وأن تدور، وأن الحياة لابد وأن تعود إلى طبيعتها وفق معايير السلامة المعلن عنها من قبل مع تخفيض عدد ساعات الحظر.

 

اقرأ ايضا: الحوفي عابرا إلى جسر الخلود

 

المصانع يمكن لها أن تتوقف بعض الوقت، والمزارع يمكن لها أن تدار بنصف الجهد بعض الوقت، والخدمات والمطاعم والمقاهى كلها أنشطة يمكن تحمل غيابها قليلا من الزمن أو كثيرا، كلُ حسب الحاجة الملحة إليه إلا أن أحدا لا يمكنه تصور أن تتعطل العدالة!!

 

العدالة هي ميزان الحياة، وهي مزرعة الأمل، وهي النبراس الهادي لكل مظلوم، ولا يمكن أن نتصور أن يظل هذا الملف على ما هو عليه، وأتصور أن تلك الأزمة كاشفة إلى حد الألم، ولابد لنا من أن نسلك طريقا آخر يمكننا من تشغيل المحاكم بطاقة لا تؤجل العدل. المحبوسون احتياطيا بالآلاف وأعداد من انتهت فترات حبسهم احتياطيا أيضا بالآلاف، وهو الملف الأول الذي يجب أن ننظر إليه بعين الاعتبار..

 

اقرأ ايضا: تجميد مبادرة البنك المركزى

 

فالإفراج عن هؤلاء يخفف من أعباء السجون ويقلل من الخطر على حياة هؤلاء، يأتي من بعدهم المحبوسون احتياطيا على ذمة قضايا ليست إرهابية، وإخراجهم على ذمة قضاياهم في هذا التوقيت فيه درء للمفسدة وحماية لهم، خصوصا وأنهم لايزالون أبرياء ولم تثبت إدانتهم والإفراج عنهم يخفف أيضا من الأعباء عن كاهل الداخلية وإدارات السجون.

 

التأجيل الإداري للقضايا أسبوعيا يعنى أننا ننتظر الفرج، فماذا لو لم يأت هذا الفرج؟ هل يظل الناس محبوسون دون حكم ودون أن يحظوا بمحاكمات عاجلة تمنح كل ذي حق حقه؟..

 

أتصور أيضا أن هذا الملف جدير بأن يوضع على طاولة المجلس الأعلى للقضاء وكل من بيده حل؛ فآلاف الأسر تعاني من هواجس الموت التي تطارد أبناءها في السجون وأقسام الشرطة.

 

اقرأ ايضا: اقتلوا رجال الأعمال أو انفوهم

 

ولو تابعنا تفاصيل نقل السجناء إلى المحاكم سنرى كيف يكون الخطر عنوانا يطارد كل سجين، تخرج سيارات الأقسام كعلبة من الحديد تجمع السجناء من الأقسام ومن السجون وتتجه بهم إلى المحاكم.

 

هناك وفي كل محكمة غرفة اسمها "الحبسخانة"، يوضعون فيها إلى أن تنعقد جلساتهم، وفي الجلسات يوضعون في قفص حديدي ضيق حتى يأتي على كل واحد منهم دور جلسته، وبعد قرار المحكمة يعودون بنفس الطريقة.

 

لا يمكن توجيه اللوم إلى وزارة الداخلية، فالقضية ترتبط بإمكانيات وقانون يجب تنفيذه تحت أي ظرف.. الملف يحتاج إلى إرادة حقيقية لتغيير الأوضاع، ورب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. الحكاية حكاية بشر من لحم ودم، وهم أيضا مسئولية في عنق الدولة وفي قلب العدالة.  

الجريدة الرسمية