تصحيح مسار التنمية المستدامة
في عام 2016 أقرت منظمة الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة SDG لتمثل منهجا نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومنها وضعت الحكومات خططها الوطنية 2030، ولكن كشفت جائحة كوفيد - 19 عن نقاط ضعف وخلل بسبب تأخر الالتزام الدولي بهذه الأهداف..
هناك أبحاث علمية أشارت لعلاقة التغير المناخي في نشاط و تطور الأمراض والأوبئة، هذا وقد سببت الإجراءات الاحترازية نتائج غير مستهدفة مثل الانخفاض المؤثر في الانبعاثات الحرارية والكربونية المسببة للاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية بسبب توقف النشاط الصناعي خاصة في الدول الصناعية الكبرى مثل الصين..
التي انخفضت فيها الانبعاثات الحرارية 25٪ يتزامن مع انخفاض الطلب على الفحم الذي انخفض 40% في أكبر ست محطات للطاقة مع انخفاض عوادم السيارات التي مثلت72 ٪ من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في قطاع النقل، أما الطائرات فمثلت 11٪ من الانبعاثات، أيضا تحسنت جودة الهواء في 337 مدينة وقد أشارت الأبحاث إلى التئام طبقة الأوزون وتراجع الثقب إلى مستويات الثمانينيات من القرن الماضى بما قد يؤدي إلى انخفاض إجمالي الانبعاثات بنسبة 1% بحلول نهاية 2020.
اقرأ ايضا: دعم المصانع المتعثرة في ظل الثورة الصناعية الرابعة
تكمن الأزمة أن المؤشرات العامة لأهداف التنمية المستدامة ستتراجع وأولها هدف الفقر والجوع، بما قد يدفع الدول منفردة نحو استعادة توازنها بدون النظر لمصلحة المجتمع الدولي بما قد يجعلنا نقع في أزمة بيئية مقبلة، قد تقضي على البشرية لأننا لم نتعلم الدرس الحالي كاملا، لذا فإن تعديل معايير الأداء للتنمية الاجتماعية والبيئية للدول قبل المؤشرات الاقتصادية وقياس مدي التزامها.
رغم أن الجائحة مثلت كارثة نحو البشرية ولكنها سلطت الأضواء على خلل نمط النشاط الاقتصادي نحو المجتمع والبيئة، فقد دعت الأزمة لتصحيح الأوضاع ووضع معايير وقد تمثلت إحداثيات الأزمة فيما يلي:
أولا: كشفت الجائحة أن البشرية قد تتعرض لخطر بسبب تطور نمط النشاط البشري سواء كان طبيعيًا أو بسبب التلاعب الجيني للفيروس حسب الاتهامات الموجهة بين الولايات المتحدة والصين، ففي كل الحالات ثبت أن الضغط علي التوازن البيئي أو التلاعب المتعمد غير المسؤول من أي طرف قد يدمر كل الدول بلا استثناء، الغنية والفقيرة على حد سواء ولا يمكن عزل دولة عن الأخرى، أيضا مثلت البؤر الفقيرة خطرا أكبر على الجميع.
اقرأ ايضا: أثر الاقتصاد الجزئي خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي (1)
ثانيا: أن ستيفن لاندسبيرج كتب عن تصريح مثير للجدل لكبير خبراء الاقتصاد بالبنك الدولي حول إنه من المفيد نقل المصانع الملوثة للدول الفقيرة لتكون مصدر دخل، وهو نهج سار فيه العالم لعقود ولكن ثبت أن العالم أصغر من أن يتحمل نتائج التلوث التي ستؤثر في النهاية علي الجميع بلا استثناء.
ثالثا: الاتهامات التي وجهها ترامب لمنظمة الصحة العالمية مع تضارب المعلومات المتسارعة حول الفيروس، مع اتهام الصين بإخفاء المعلومات الأهم في البداية بما سبب الجائحة تدفعنا للدعوة لإعادة التوازن للمنظمات الدولية ومصداقيتها وقدرتها على احتواء الأزمات لصالح البشرية أولا وأخيراً وليس لصالح دول.
رابعا: اهتمام الحكومات بالبعد الاجتماعي الذي مثل وزنًا نسبيًا أثناء الجائحة عن البعد الاقتصادي قد يكون أشد خطرا، فقد نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز في 3 أبريل تقول: "الإصلاحات الجذرية -عكس اتجاه السياسة السائدة في العقود الأربعة الماضية- ستحتاج إلى طرحها على الطاولة. وسيتعين على الحكومات قبول دور أكثر نشاطا في الاقتصاد. فيجب أن ينظروا إلى الخدمات العامة على أنها استثمارات بدلاً من الخصوم، وأن يبحثوا عن طرق لجعل أسواق العمل أكثر أمناً".
اقرأ ايضا: الاقتصاد الدائري اللاعب المستقبلي الأهم
على المستوى المحلي فالاهتمام بالفقراء ليس رفاهية وإنما قد يمثلون قنبلة موقوتة، أما على مستوى الدول فالدول الفقيرة تمثل بؤرا لانتشارالوباء عالميا.. إن مقولة ترامب نحو أهمية البعد الاقتصادي عن الاجتماعي هي مبالغة يهدف بها لمعادلة التوازن اثناء الأزمة.
خامسا: ألزم الاتحاد الأوروبي ذاته في قوانين بيئية أسفرت عما يطلق عليه الاتفاقية الخضراء للاتحاد الأوروبي بالتزام عالمي، ولندرك أن التلوث الحقيقي يصدر من المصانع في آسيا ويمثل الفحم والبترول مصدر تنامي ثروات دول، فقد كانت مدن أورزبا مصادر الإبداع العلمي بلا تلوث، ولكن مصانع آسيا تحول الإبداع لمنتج بفاتورة بيئية مرتفعة..
ومازالت أفكار تسعير الكربون عالميا محل حوار، بل إنه للأسف بدلا من أن تكون قوانين البيئة ملزمة لكل الدول فإن أورزوبا تتقهقر بيئيا حيث صرح رئيس الوزراء التشيكي بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى التركيز أكثر على احتواء تفشي كورونا، وتأجيل تنفيذ هدف “الحياد الكربوني” وذلك بسبب جائحة كوفيد 19 الذي سبب اضطرابا اقتصاديا واجتماعيا.
اقرأ ايضا: "المعادلة الصفرية" النظرية الاقتصادية التي تؤرق الاستقرار العالمي
بما أننا في مخاض تأسيس نظام دولي جديد فأتمنى أن تتبنى مصر وجهة نظر نحو إرساء قواعد منظمة للاستقرار الاجتماعي والبيئي حتى لا تحدث انتكاسة سريعة للبشرية وطالما كان الرئيس السيسي صاحب رؤية سلام تجلت في خطاباته في الأمم المتحدة وقد طرح سابقا مصطلح المعادلة الصفرية كإشارة للخلل في العلاقات الدولية والاقتصادية الحالية..
وإما أن يؤسس النظام الجديد علي مبادئ أخلاقية نحو المجتمع والبيئة يدعمها الاقتصاد كمحفز أو نستمر في الاستنزاف للموارد وننتظر انهيارا فجائيا بيئيا اجتماعيا لصالح تراكم الثروات ونغلق ملف التنمية المستدامة عالميا.