"المعادلة الصفرية" النظرية الاقتصادية التي تؤرق الاستقرار العالمي
في سبتمبر ٢٠١٧ تطرق الرئيس عبد الفتاح السيسي للنظرية الاقتصادية "المعادلة الصفرية" ليوصف حالة من الصراع الاقتصادي والدولي خلال كلمته التي ألقاها أمام الأمم المتحدة، في وقت اعتبره البعض مبالغة ووصفا في غير محله حينها، ولكنه كان صاحب رؤية تعبر عن أزمة النظام العالمي المتوقعة وتسبب خلل توازنات القوى الدولية، وتتنبأ بحرب اقتصادية مدمرة تخلق موازين قوي مختلفة تهدف لتحقيق توازن ما.. تحققت النبوءة هذه الأيام وكانت كلمة السر هي "المعادلة الصفرية".
العالم الاقتصادي "جيديون رخمان" سرد في كتاب «عالم المعادلة الصفرية» الذي صدر ٢٠١٠ قبل أن تظهر ملامح الحرب التجارية، أن النظام العالمي قد توهم أن العولمة ستحقق الازدهار لكل الدول والكل رابحون.. ولكنه سقط في فخ بعد الأزمة المالية بحالة من عدم الاستقرار، لأن العولمة والانفتاح كمنهج اقتصادي حقق رفع مستوى الرفاهية لشعوب مستهلكة على حساب شعوب منتجة..
وهناك أنظمة كالصين تحاول تخفيض قيمة عملتها لزيادة الإنتاج واحتكار الأسواق ونظرية «المعادلة الصفرية» تتكامل مع نظرية «تحول القوى» فتظهر على الساحة الدولية القوى الإقليمية وتتراجع قوة الكيانات والدول العظمي الكلاسيكية، وتنبأ بصدام وصراع قد يكون موقعه في شرق آسيا قطبيه الصين والولايات المتحدة، والصراع قادم ولا مفر وسيسبب ضررا بليغا على القطبين.
(ربحُ كل شيء، في مقابل جعل الخصم يخسر كل شيء)، هو أبسط تفسير للنظرية الاقتصادية، المعادلة الصفرية كسبب ونتيجة، ولكن تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للشرق مع سيطرة أمريكا وأوروبا على العالم عسكريا واقتصاديا يسبب تصاعد مشهد الصدام القادم.
في الجانب الاقتصادي أصبح النظام العالمي يعتمد منهجية النيوليبرال، بما سبب تضخم ثروات الشركات متعددة الجنسيات على حساب دول وشعوب تستحق أكثر طبقا لإنتاجها أو مواردها الطبيعية، وأكبر مثال على ذلك هو أفريقيا ولكنها ما زالت تعاني كما ذكر الرئيس السيسي مؤخرا أما قمة G7 في طوكيو.
وعن مستقبل المؤسسات الدولية فقد طرح "زكــي لايــدي" أســتاذ العلاقــات الدوليــة بمعهــد باريـس للدراسـات السياسـية رؤيته لملامح عدم الاستقرار الدولي، من خلال الضعف الذي اصاب المؤسســات الدوليــة، التــي كانـت تنظم العلاقات الدولية والتوازنات، مثل منظمـة التجـارة العالميـة (الجات)، ويطرح سؤاله: "هـل انتهـى التعـاون متعـدد الأطـراف؟".
ففي الفترة 1947 و1995 كانت "الجات" تؤسس العولمة وتنظم العلاقات الاقتصادية الدولية بجدارة وعملت علــى إزالــة العوائــق والتعريفــات الجمركيــة علــى تداول السلع لصالح الولايات المتحدة وأوروبا، قبل بزوغ نجم الصين وروسيا ودول آسيا، الذين يمثلون حاليا مصنع العالم، لذا فإن "الجات" تضاءل نفوذها، واصبح "ترامب" يتحرك منفردا باتفاقيات ثنائية، ويمارس الحروب الاقتصادية، ولكن ما زالت مصلحة الصين في بقاء المؤسسات الكلاسيكية لما تحرزه من تفوق مستمر، في ظل الاحداثيات الحالية، ولكن الواقع سيفرض نمطا مختلفا من المؤسسات المنظمة.
في جانب البيئة تثير الكوارث الطبيعة المتكررة خوف العلماء من انهيار فجائي للتوازن البيئي، وزاد الخطر بعد حرائق غابات الامازون، مع أن إنتاج الكربون يتركز أغلبه في الدول الصناعية شرقا وهو أيضا ما ينطبق عليه النظرية الصفرية، لذا فهناك خلل في موازين القوى دفع الصين لغزو أسواق أفريقيا بعد احتكار اقتصادي أوروبي أو فرنسي تحديدا دام لقرون، اعتمد على خلق الصراعات والحروب الأهلية وخلق أنظمة موالية فأصبحت أفريقيا ترى أنها تستحق الافضل، لأن دول الغرب والشرق الصناعية هي المسببة لتلوث البيئة وتستهلك الموارد الطبيعية..
يقدم العلماء فكرة الصفقة الخضراء لتشكل قوانين عالمية صارمة تحدد وتضبط وتسعر الكربون المنتج، ولكن لا يوجد مؤسسة دولية قادرة على فرض سطوتها لتحقيق ذلك، في ظل ضعف المؤسسات وصراعات الدول والمصالح الاقتصادية للشركات متعددة الجنسيات بما يؤرق مستقبل الإنسانية على كوكب الأرض.
على صعيد التفاعل المجتمعي للشعوب فإن الغضب المتصاعد ضد عدم تكافؤ الفرص أصبح واقعا، لذا فإن "ترامب" ما هو إلا ترجمة لغضب الجماهير من تضاؤل فرص العمل والعمالة الأجنبية وانهيار الهوية الوطنية واحتكار الشركات المتعددة الجنسيات للاقتصاد.. أصبح القائد الشعبوي مدفوعا برغبات الجماهير التي زاد وعيها في ظل الانفتاح المعلوماتي كرد فعل طبيعي للعولمة.. ومن الجلي أن دولا عديدة ستقلل من انفتاحها رويدا حفاظا على مصالحها الاقتصادية ومصالح مواطنيها.
إن المعادلة الصفرية شكلت الحرب العالمية التجارية، وتاريخيا كانت السبب في الحرب العالمية الأولى والثانية، لذا فقد تعيد تشكيل المؤسسات الدولية والتوازنات الإقليمية وسطوة الشركات عابرة القارات التي ترسم جميعها مستقبل التنمية من خلال تشكيل الاقتصاد والمجتمع ومواجهة مشكلات البيئة من أجل استقرار منشود.. لذا فهناك دول تهدف لفرض سلطتها الإقليمية في ظل المشهد القادم.. هكذا يخطط الرئيس السيسي لوضع مصر كقوى إقليمية وتتضح رؤيته من خلال خطواته السياسية والاقتصادية ومن خلال خطاباته في المحافل الدولية.