رئيس التحرير
عصام كامل

نجمة تيك توك وهرم مصر الخامس

قبل نحو ثلاث سنوات ظهرت شركة صينية منتجة لتطبيق "تيك توك" الذي حظي بنحو ٨٠٠ مليون تحميل حتى نهاية العام المنقضى؛ ١٠ % منها لمستخدمين أمريكيين، بخلاف نحو ١٥٠ مليون متفاعل بالفيديوهات القصيرة خلال العام الأول لإطلاقه.

اجتذبت دعوة الشركة مئات الملايين للمشاركة فى تجارة مربحة هى "التواصل" بشتى صوره وأهدافه، مع وضع قيود وشروط استخدام لأصحاب الحسابات عليه.. ونشرت الشركة فروعا لها حول العالم ودخلت فى شراكات متعددة مع كيانات تسويقية عالمية خاصة بمجال الفن والموسيقى.

 

ووضعت الشركة ميثاقا لها عند مشاركة الفيديوهات القصيرة، فلا تسمح بنشر أو ترويج أي محتويات خطرة أو ضارة أو لكيانات إجرامية، ولا مجال عندها لبث أنشطة غير قانونية أو محتوى صادم أو مثير للبلبلة والتمييز والكراهية والعنصرية، كما ترفض التعري والإباحية والمحتوى المتعلق بتجارة البغاء أو الضار بالنشء.

 

اقرأ أيضا: دروس من الأزمة.. كورونا مجرد بداية

 

فى هذا التطبيق الخاص، وبشروطه، ذهب شباب للتعبير عن ذاته، والانفعال أكثر من التفاعل؛ هربًا من مناخ يرفضونه بمجتمعاتهم أو يقتبسون منه ما يلائم حصة مختصرة ممنوحة لهم من التربية والرعاية المتجاهلة تداخل وسائط متنوعة الطابع والتأثير فى مضمونها، فبات الترويج والتعبير عن الذات مستلهمين من رؤى خاصة محدودة النطاق متجانسة الأهداف.

يوتيوبرز جدد على طريقة "هرم مصر الرابع".. فتاة الآثار التى اهتمت جامعتها بالتحقيق معها فى رسالة بثتها تتفق ومحدودية خبرتها الحياتية، وبلاغات أتت بها للاحتجاز على ذمة التحقيقات لدى النيابة بتهمة لا تفهمها ذات العقدين ولا تستوعبها من لا تزيد استخداماتها كثيرا لمحتوى مشاركاتها عن اهتزازات مصاحبة لموسيقى وأغانٍ مروجة للانحراف وتعاطى المخدرات وتداول الألفاظ النابية دون حساب أو عقاب لأصحابها.

لست هنا فى محل دفاع عن فتاة صغيرة متهمة بما لا أفهمه.. وقد لا تفهمه هى.. ولا أستطيع تفسيره أو التدخل فى تناوله قضائيا، لكنني أمام علامات استفهام تجاه صمت المجتمع وتواطؤ العديد من مؤسساته، خاصة الإعلامية والتعليمية والثقافية تجاه "هرم مصر الخامس".. كوكتيل المسوقين لذات المخالفات لميثاق "تيك توك" وغيره كل لحظة على برامج التوك شو وعبر يوتيوب وفيس بوك ومختلف من منصات التصارع الفج التى شوهوا غرض إنشائها، وندوات ومؤتمرات التأثير والضغط والاستقطاب.

اقرأ أيضا: وثائق عصر مبارك

 

ولو أن ميثاق شرف واحدًا مما يحكم وسيلة إعلامية أو مؤسسة أو صحيفة وموقع جرى تفعيله فى مواجهات تحريضهم على جريمة واحدة؛ وهى بث الفرقة والكراهية؛ لاستقامت تصورات النشء للحياة والتواصل مع الآخر عبر مجال تفاعل أكثر انتشارا تسرب إلى هواتفهم دون أن يضبطه أب أو معلم أو أستاذ جامعي.

 

هؤلاء دمروا الثوابت على الأجهزة الثابتة الجامدة عبر رسائلهم الفجة؛ فأنتجوا جيلا أكثر احترافية فى التعبير المنقوص عن ذاته عبر الأجهزة النقالة البعيدة عن السيطرة، لكنه بهدوء يسحب البساط من تحت أقدامهم جميعا لنفاجأ بنجومية خارقة للطبيعة لفتاة لم يقدم لها مجتمعها ومؤسساته شيئًا حتى لا ترد عليه بما يخالفه.

"هرم مصر الرابع" فتاة تحيا بين والديها، حسبما تتناقل وسائل متابعة حكاياتها وقضيتها؛ فما بالكم بمن فقدوا رقابة أحدهما جراء شقاق تشجعه مكونات "هرم مصر الخامس".. ومن أمنوا عقابًا فأساءوا الفعل والتعبير، ومن تلونت رسالاتهم بما يخدم منفعتهم ولو على حساب مجتمعاتهم فجرى تكريمهم على نجاحاتهم فى تقسيمها وتفرقتها وتصنيف أبنائها.

 

اقرأ أيضًا: مجلس قومى للأسرة المصرية

تريند "هرم مصر الرابع" لن يكون مجرد زوبعة في فنجان تمر بانتهاء التحقيقات وإصدار القرارات والأحكام بشأن واقعة فتاة الآثار، وإنتاج حالة مماثلة أشد تأثيرًا سيستمر ببقاء الأسباب والإصرار على تجاهل مواجهتها، ولا أتمنى أن تذهب صغيرة إلى مصير لا نقبله لأبنائنا.. بينما الأقوياء وحدهم ممن يخطئون لا يواجهون موقفها التى لا تحسد عليه، وجميعهم لا يزال يحظى بمساحة حضور أعلى بيننا، بإرادة اهتمامنا أو دون رغبتنا.

الجريدة الرسمية