كورونا يهزم زيدان ونيوتن
يأبى كورونا إلا أن يكون متفرداً، فلا صوت إلا صوته، ولا إنشغال إلا به، ولا ضعف إلا أمامه، ولا دعاء إلا للخلاص منه، ولا أبحاث إلا عليه، ولا حياة سوية إلا بإزاحته. ولما كان كورونا بهذا التفرد..
توارت كل الأصوات، وأفل نجم كل المشاهير، إلا من يرتبط إسمه بالفيروس، اختفت أخبار كرة القدم، فلا دوريات تشغل الجماهير ولا لاعبين. فقد تحول كورونا إلى مونديال، أنفق عليه العالم مليارات الدولارات، واتخذ من كل الدول ملعبا له، وربما تتحول المنافسة التي تسبب فيها إلى حرب بين الفريقين الأكبر في العالم، أمريكا والصين.
اقرأ أيضا: بيزنس الأزمات
هذه المقدمة معروفة، لكن التذكير بها ضرورة، لأنها رسالة لكل من أدمن خطف الأضواء بسلوك مستهجن أو فتوى شاذة. فقد طغت متابعة مونديال كورونا على انتقال أحمد فتحي لنادي بيراميدز، ولو كانت الظروف طبيعية لانشغل الإعلام واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر ليصبح اللاعب حديث الصباح والمساء، لكن الحدث كان هامشياً، في ظل انشغال الجماهير بالحدث الأكبر.
انتصرت أخبار كورونا على فتاوى يوسف زيدان، فالرجل الذي كان يحدث عاصفة من الجدل كلما أطل علينا.. فشل في خطف الأضواء، ومرت فتواه الأخيرة مرور الكرام رغم شذوذها، زيدان حاول ركوب موجة كورونا فأفتى بحرمة الجماع وصيام رمضان في ظل وجود الفيروس، متجاهلاً فتوى الأزهر بأهمية الصيام في تقوية المناعة والمستندة لآراء الأطباء، حتى الأزهر نفسه لم يسلم من هجومه، فقد استنكر أن يكون مؤسسة، ضارباً عرض الحائط بالدستور والقانون، وتحدث زيدان كما لو كان محتكراً للمعرفة، فلا أزهر ولا أطباء، ولا فتوى إلا ما يفتي به.
اقرأ أيضا: ضيوف الجزيرة
وإذا كان الرجل نجح في تمرير فتواه وهجومه على الأزهر من خلال تليفزيون الدولة.. فقد فشل في شغل الرأي العام بما أفتى به، فلا انشغال إلا بكورونا.
انتصرت أخبار كورونا أيضا على ما أثاره ( نيوتن ) في مقاله الخاص بملف سيناء، فعلى الرغم من أن ما أثاره الرجل سبق إثارته من البعض، ويطرح مع كل ذكرى لتحرير سيناء.. إلا أن تجاهله لما يتم من إنجازات في منطقة كانت مهملة رغم أهميتها جعله عرضة للانتقاد، أما مطالبته بتعيين حاكم لسيناء فحولته من وجهة نظر البعض إلى خائن، وجردته من الوطنية، ورغم ذلك لم يستمر الجدل ساعات ، وعاد الجميع إلى كورونا باعتباره الحدث الأهم.
اقرأ أيضا: أزمة ثقة!
انتصرت أخبار كورونا على أخبار دراما رمضان، ففي مثل هذا التوقيت كانت الدراما هي الشغل الشاغل للإعلام والجماهير، الكثيرون ينتظرون النجوم المفضلين، ويترقبون المنافسة التي تشتعل مبكراً، ويتابعون ما يجري في الكواليس، لكن الفيروس أخذ الناس من كل هذا، فلا انشغال إلا به، ولا حديث إلا عنه، لذلك أصبح لزاماً على الإعلام ألا ينجرف إلى مستنقع الفتاوى الشاذة..
فلا مكان لها على أجندة الجماهير، ولا يستضيف إلا ما يخدم توجه المواطن، فاستضافة لمريض تعافى من كورونا أهم من استضافة مفكر بوزن يوسف زيدان، ومناقشة مخاطر الفيروس مع طبيب.. أهم من طرح متقوص لنيوتن، لقد نقلنا كورونا من عصر (الهلس) إلى عصر العلم. نوبة إفاقة يرحمكم الله.
besheerhassan7@gmail.com