رئيس التحرير
عصام كامل

البلياتشو والمهرج والأراجوز

قادني بحثي عبر مواقع الإنترنت لمشاهدة أحد الفيديوهات الذي يعرض لجزء من حوار قديم للفنان العالمي عمر الشريف في ضيافة الإعلامي الراقي طارق حبيب، وكان محور السؤال الذي وجهه الإعلامي للفنان يدور حول نقطتين وهما عما تمثله كلا من النقود والعالمية له..

 

فكانت إجابة الفنان العالمي تحمل فلسفة عميقة رغم بساطة كلماتها، إذ قال إنه لا يستحق الأجور المرتفعة التي يحصل عليها ولا يعرف لماذا يحصل عليها مقارنا ما يقدمه بما يقدمه العلماء وبعض المهن الأخرى التي لا تأخذ ما تستحقه، ثم يستكمل حديثه معللا ذلك بأنه لا يرى نفسه سوي "بلياتشو" يحفظ كلمات ثم يرددها أمام الكاميرا للترفيه عن الناس (على حد تعبيره).

 

لذلك يعتقد أن ما يتحصل عليه ربما يكون مالا حراما وربما يأتيه لينفقه حيث يصل لمن هم بحاجة إليه ثم يسترسل متحدثا عن شهرته العالمية فيخبر سائله أنه لا يحب تلك الشهرة وأن كلمة العالمية في نظره لا قيمة لها لذا كان يفضّل أن تبقى شهرته في بلاده.

 

اقرأ أيضا: أكل عيش "السرسجية"

 

هكذا تحدث فنان بحجم عمر الشريف عن نظرته لما يقدمه وهو الذي يكفيه فخرا -وإن لم يمثل غيره- دوره في فيلم "لورانس العرب"، الذي حصد جائزة الأوسكار وصنف العام الماضي من الجمعية الأمريكية للسينمائيين كأفضل فيلم في القرن العشرين.

 

حديث “الشريف” استحضر من ذاكرتي لقاء كنت قد شاهدته منذ وقت بعيد لعميد المسرح العربي يوسف وهبي  وصف فيه نفسه بالمهرج، تخيل عزيزي القارئ أن عملاق المسرح العربي الذي تتلمذ على يديه العديد من النجوم الذين أصبحوا فيما بعد أساتذة يصف نفسه بهذا الوصف ويرى أنه لا يقلل من شأنه ولا من شأن الفن.

 

السطور السابقة لم تحمل رأي الشخصي بل كان رأى هذين العملاقين اللذان قدما لنا فنا ما زلنا نشاهده حتى اليوم مع عائلتنا دون خجل، كان باستطاعة كلاهما أو أحدهما أن يلقب نفسه بـ"نمبر وان" أو أن يخلع على نفسه ما شاء من ألقاب، وهما محقان إن فعلا، لكنهما لم يفعلا ولم يلبسا التمثيل ثوبا غير ثوبه، فكلاهما يرى التمثيل وسيلة للترفيه عن الناس، وأنا أضيف أن الفن في مجمله له دور فعال في تشكيل وعي الشعوب بجانب الحفاظ على القيم الأصيلة للمجتمعات.

 

اقرأ أيضا: كارثة قانون الإيجار القديم

 

تلك المقدمة الطويلة أردت بها أن أصل للمفهوم الحقيقي للفن بعدما استفزني وأعتقد أنه استفز العديد من المصريين تصريحات بعض الممثلين عن مسلسلات رمضان، بعد انتقاد العديد من العامة والمثقفين استكمال تصويرها رغم حملات التوعية التي اشتركوا بها مطالبين المواطنين بالابتعاد عن التجمعات لمساعدة الدولة في مكافحة وباء كورونا..

 

وهو انتقاد ذات معنى أما غير ذات المعنى فنجده في تصريح نقيب الممثلين الذي اعتبر أن استكمال التصوير في ظل هذه الظروف يعد تضحية منهم لأجل إسعادنا، وهذا في رأيه تشبيه يساوي بين ما يقدموه وما يقدمه لنا الأطباء ورجال الجيش والشرطة من تضحيات حقيقية..

 

وكان من الممكن اعتبار التصريح فيه شيء من المنطق إذا ما كنا نشاهد مسلسلات لا نخجل أن يراها معنا أبناؤنا كما كنا نشاهد مع أبائنا، أما وإننا الأن نشاهد ما يؤصل للتحرر دون قيود فضلا عن تركيز بعض الكتاب بصورة مبالغ فيها على ظلم الإخوة بعضهم لبعض، وكأن المجتمع أصبح بلا فضيلة تستحق أن نبرزها ونؤصل لها..

 

اقرأ أيضا: جريمة داخل المدارس في حق النشيد الوطني

 

علاوة على الحيرة التي تتملكنا أمام العلامات التحذيرية التي تمنع المشاهدة لمن هم دون عمر معين وصل في الآونة الأخيرة لاثني عشر عاما.. أنا شخصيا وضعت خطة للتغلب على ذلك معتقدا بأنني (ذكي) لكني أعترف أنها لم تنجح إلا في كشف غبائي

 

أما عن تصريح إحدى الممثلات بضرب من يتحدث عن العمالة اليومية بضربه بحذائها علي فمه فإن دل علي شئ إنما يدل علي الفرق بين ثقافة نجوم بحجم (عمر الشريف ويوسف وهبي ) والضحالة الفكرية لبعض ممثلي هذا الزمان.

 

ولولا ضيق المساحة لاسترسلت بأمثلة كثيرة لذا سأنهي مقالي بالرد علي تصريح الشاعر أمير طعيمة الذي يتمنى لو أنه يمتلك طاقية الأخفاء ليرى كم واحد من منتقدى المسلسلات لن يشاهدها، وأقول له أنا واحد من المنتقدين، أفضل مشاهدة (الأراجوز) عن تلك المسلسلات.

ahmed.mkan@yahoo.com

الجريدة الرسمية