صنايعي «كولونيا الـ 555» في زمن الكورونا.. حمزة الشبراويشي كما جاء ضمن «صنايعية مصر»
يوم عن يوم تزيد معدلات البحث حول ما يمكن إتباعه من إجراءات وقائية لتجنب الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، حتى أن البحث تناول كافة الطرق والوسائل، ما بين المأكل والمشرب، والأدوات المستخدمة في النظافة الشخصية، وكان من بين تلك الوسائل، بطل غاب عن المنازل لعقود، حتى عاد دوره وتجلت قيمته بشده وهو مادة (الكحول).
ولم يكن تداول اسم الكحول منفردًا كمادة خام، ولكن عادت للأذهان وبقوة (الكولونيا 555)، كبديل مماثل للكحول الإيثيلي تلك المادة الغنية في مكوناتها بالكحول، حتى إن صورتها ومصطلحها تحولت بين يوم وليلة لترند عن صفحات ومواقع السوشيال ميديا.
جانب آخر أعيد للأذهان وهو «حمزة الشبراويشي»، مخترع كولونيا الـ 555، أو كما وصفه الكاتب عمر طاهر في كتابه «صنايعية مصر»، بـ «صنايعي كولونيا الـ 555»، واستند طاهر فيم سرده عن مخترع الكولونيا، لما أورده الكاتب علاء خالد في وصفه للك الاختراع العجيب، قائلًا: «كانت موجودة في احتفالات وأفراح وأعياد ميلاد وأمراض وترمومترات وجروح وإغماءات البيوت المصرية».
الفول يقوى مناعتك ضد فيروس كورونا
بحث طاهر طويلًا عن أي شيء يتناول السيرة الشخصية لمخترع الكولونيا، فلم يجد، فقرر أن يرسم لتلك الشخصية ملامح من وحي الخيال، فتخيله قريب الشبه من الممثل العالمي «آل باتشينو».
ويقول طاهر في كتابه إنه من ضمن قلائل الجمل التي راوده فيها اسم «حمزة الشبراويشي»، من خلال نعي منشور في إحدى الصحف، وبالبحث عن الأسماء الواردة في النعي، وجد واحدًا عرف فيم بعد أنه عضو مجلس إدارة شركة شهيرة، وبعد محاولات مضنية ما بين البحث على «جوجل» و«فيس بوك»، وجد ضالته من خلال إحدى الصديقات عبر شبكة التواصل الإجتماعي، قائلة انها من عائلة الشبراويشي، ومن خلالها تمكن طاهر من الوصول لأحد أحفاده، وكان هذا مكسبًا ومكسب آخر من خلال التحصل على صورة شخصية قديمة لـ «صنايعي كولونيا الـ 555»، الذي وجد فيها طاهر اختلافًا في الشكل عن «آل باتشينو»، ولكن هناك تطابقًا في «الكاريزما».
وكان من ضمن مما ورد ذكره عن حمزة الشبراويشي في كتاب عمر طاهر، أنه في كل مرة كانت توضع أمام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قوائم بأسماء ستخضع لقرار التأميم، كان عبد الناصر يشطب اسم الشبراويشي، لتيقنه من مدى وطنية الرجل وحبه لبلده، دون أن يهتم ناصر أو يلتفت لتقرير سري أو وشاية، فكان ناصر على تمام الثقة بأن الشبراويشي رجل وطني وعصامي ولم يكن يومًا إقطاعيًا، فكان عبد الناصر كل مرة يحذف اسم الشبراويشي من قوائم التأميم ولكن تراجع فيم بعد وقرر تأميم مصانعه.
"التموين": ضخ 10 آلاف عبوة "كولونيا 555" فى المجمعات الاستهلاكية
فمنتجات الشبراويشي كانت في كل بلد عربي، المنتج واحد ولكن الاسم والشكل مختلف، ففي مصر تحمل اسم «555»، وفي السعودية تحمل اسم «سعود»، وفي السودان ممهورة بصورة مطربهم الأشهر «عبد الكريم كرومة»، حتى أنه في مصر كانت كوكب الشرق أم كلثوم هي بطلة إعلانات منتجات الشبراويشي.
فقد كان عبد الناصر نفسه زبونًا لمنتجات الشبراويشي، ويحكي أحد القيادات الأمنية أنه عندما كان ضابطا صغيرًا مسئولا عن تأمين مؤتمرات الإتحاد الإشتراكي، وصل أحد موظفي الرئاسة يحمل للرئيس حقيبته الخاصة، فأصر الضابط على تفتيشها، وقال: «وجدت فيها فوطة وفرشة شعر وخرطوشة سجائر وزجاجة كولونيا 555».
ولكن في نهاية عام 1965، أصيب الشبراويشي بجلطة وسافر على أثرها إلى سويسرا لتلقي العلاج، ولإصراره بالابتعاد عن السياسة أو كل ما يدور فيها، لم يكن يعلم أن إسمه يدرج في قوائم التأميم وأن عبد الناصر هو من يستبعده، ولكن كانت تصل إليه أخبار ما يتعرض له أصحاب بعض الصناعات ليقرر أنه بعد استكمال رحلة علاجه في سويسرا أن تكون العودة إلى بيروت وليس مصر.
صناعة الكحول والجيل بطب بنها لمحاربة الغلاء
وبالفعل افتتح في بيروت مصنعا صغيرًا لتصنيع العطور كبداية جديدة، وهنا كانت الثغرة التي استغل من خلالها البعض الطريق للوشاية بينه وبين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي وصلت إليه الوشاية نصها: «حمزة الشبراويشي هرب من مصر إلى لبنان وسيستقر هناك بعد أن يصفي أعماله ويسحب أمواله كلها»، هنا قرر عبد الناصر فرض الحراسة على ممتلكات الشبراويشي وتم عرضها للبيع، وكان المقابل الذي دفعته شركة السكر والتقطير لشراء مصنع الشبراويشي والمحلات والإسم التجاري والمنزل وبعض الفدادين، لم يتجاوز الـ 165 ألف جنيه.
وما إن وصلت أخبار التأميم إلى حمزة الشبراويشي، إلا وتيقن أنه لا مجال للعودة إلى مصر مرة أخرى، فواصل أعماله ونجاحه في لبنان إلى ان توفي في نهاية الستينات، ليعود إلى مصر جثة ليدفن فيها –حسب وصيته-.
رغم أن المادة والمكون الأساسي لـ «كولونيا الـ 555»، هي «السبرتو» المعروف أنها مادة طيارة لا تبقى على حالها، إلا ان الكولونيا كمنتج عاشت في كل عادات المصريين والعرب، بمختلف أنواعها ومهما توارت لسنوات، أعادتها الأزمة الراهنة لفيروس كورونا لتطفو على السطح مرة أخرى.