العالم محجور والشائعات تزدهر
لم يخل تفشي جائحة فيروس كورونا من إيجابيات وان كانت قليلة، لعل أبرزها الإتجاه إلى الله بصدق، إجتماع الأسرة لأطول وقت وعودة الروابط المفقودة في ظل زحمة الحياة وزيادة المغريات، بات البيت الحصن والملاذ..
وهجر الناس الفنادق وأماكن السهر والنوادي والمطاعم، اختفى الجهلاء والبلهاء والتافهين من المشاهير بلا داعي، وتصدر المشهد من يستحقه عن جدارة، أطباء يعالجون مرضى الوباء بلا خوف بمعاونة الهيئة التمريضية، علماء يواصلون الليل بالنهار بحثا عن علاج ينقذ البشرية، معلمون وأساتذة جامعات يتواصلون مع الطلاب لتحصيل دروسهم، ضباط وجنود مرابطون لحماية الشعب والوطن، هؤلاء هم من يستحقون التحية والتقدير في أخطر أزمة صحية يشهدها العالم منذ قرن.
اقرأ ايضا: "كورونا" والحقد الدفين
في جميع الدول خصوصا العربية تسابقت الشعوب وأهل الفن والإعلام لتوجيه الشكر والتقدير للفئات التي تضحي بنفسها وتقف في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء ومحاولة إنقاذ الشعب، كل يعبر بطريقته الخاصة أغنيات، قصائد، لقاءات، تبرعات، وفي أضعف الايمان تغريدات.
طبقت دول العالم إجراءات وقائية ملزمة لشعوبها للحد من تفشي الفيروس، وفي الوقت نفسه غلظت عقوبات ترويج الشائعات فيما يخص الوباء، وزادت بعض الدول مثل الكويت بمنع "المحجورين" من التصوير والنشر في "السوشيال ميديا"، خشية حدوث بلبلة أو التأثير سلبا على أطراف أخرى..
فمثلا كان الممثل الإيراني المولود في الكويت عبدالله بوشهري، محجورا في فندق 5 نجوم، خصصته الكويت لعزل العائدين من السفر، ودأب على تصوير فيديوات ليومياته في العزل الصحي تظهر فخامة الفندق، لكنه نشر ذات يوم صورة مرفقة بالتعليق "اعتذر عن التواصل... أوامر"، وانقطع عن التصوير حتى انتهت فترة الحجر.
اقرأ ايضا: انتهى وقت «إغواء النساء»
كويتية أخرى عادت من السفر ونشرت من "الحجر الصحي" فيديو للطعام المقدم لها وانتقدت عدم وجود "صوص" مع السلطة، هنا لم ترد عليها وزارة الصحة، بل رد عليها الشعب بقسوة وسخرية وأطلق عليها "أم الصوص"، مشيدا بالجهد الحكومي لمواجهة الوباء، وتخصيص مواقع 5 نجوم لإقامة المحجورين.
بعدها قررت الكويت عقوبات لمن يخالف التعليمات الوقائية لمواجهة الفيروس، تصل إلى التسفير والإبعاد الفوري للمقيم، والسجن وغرامة آلاف الدنانير للمواطن.
أما عندنا في مصر، ورغم ان العالم كله إما محجور أو معزول ويطبق إجراءات أشد قسوة منا، فالوضع لدينا ما زال يتسم بالتراخي، فلا أحد يشيد بمن يضحي بحياته لإنقاذ المرضى، أو يشكر من يصل الليل بالنهار لحماية البلد والشعب وتعقيم المؤسسات وغيرها الكثير، بل نجد تركيز كبير على السلبيات دون الإيجابيات.
صحيح ان لفت النظر إلى السلبيات مطلوب شرط أن يكون صحيحا، لكن في الوقت نفسه ينبغي ذكر الإيجابيات، أما ترويج أكاذيب فيجب التصدي له بتغليظ العقوبات وتطبيقها، خصوصا لمن اتخذ من "السوشيال ميديا" منصة لترويج شائعات ازدهرت في الفترة الأخيرة، وباتت الدول الأخرى تتخذ قرارات بناء عليها باعتبارها حقائق في غياب الردع المصري.
تصلنا عشرات الفيديوات عن إهمال جسيم في المستشفيات، واستغاثات من عدم رعاية المرضى، فضلا عن غياب النظافة التي تزيد المرض، وهناك مقاطع أخرى عن تكدس مئات الركاب في عربات مترو الأنفاق بعضهم يرتدي كمامة بمعنى انها حديثة التصوير، وهذا الالتصاق من شأنه أن يجعل مصر بؤرة لتفشي الفيروس، لو كان راكب واحد مريض بـ "كورونا"، والأمر نفسه ينطبق على الباصات والقطارات وجميع وسائل النقل الجماعي.
اقرأ ايضا: لا تسامح مع المسيئين لمصر!
زادت الضجة مع فيديو نشرته المغنية إيناس عز الدين، من مستشفى حميات إمبابة، تشكو فيه من إهمال وزارة الصحة، سوء الخدمة، ووجود "برص" في غرفتها "غير المجانية"، قامت بتصويره وهو يتحرك بحرية تامة.
أخطأت إيناس عز الدين، في التشهير بالبلد في ظرف صعب يعانيه العالم كله، وكان عليها أن تتصرف بطريقة أخرى بعيدا عن "السوشيال ميديا"، خصوصا ان المتحدث باسم الوزارة قال انها محجوزة في غرفة بالقسم الاقتصادي لكنها لم تدفع شيئا، وقال مدير المستشفى انها تتعامل بفوقية وطريقة غير لائقة مع الأطباء والتمريض، رغم تقديم رعاية لها على أكمل وجه، وبرر وجود "البرص"، بأن مساحة المستشفى كبيرة جدا وتزيد على 60 ألف متر.
لابد من التصدي لناشري الفيديوات السالفة الذكر، سواء كانت حقيقية أو شائعات، لأن السكوت عنها يزيد الوضع سوءا ويغري الآخرين بنشر المزيد، وعلى الحكومة تغليظ عقوبة ترويج الشائعات، وتعمد التشهير بالبلد عبر التواصل الاجتماعي ولو كان بتغريدة مثلما تفعل بقية الدول، خصوصا في وقت تفشي جائحة عالمية لا تحتمل تصرفات الحمقى.