حكم الشرع فى المرح بين الشباب
نرى بعض الشباب اليوم متجهما فى أكثر الأوقات، لايحب المرح، ويعد الفكاهة لهوا يصرف عن الدين، ويزعم أن من يتمتعون بزينة الحياة الدنيا ليس لهم فى الآخرة إلا النار، فما حكم الشرع فى هذه التصرفات وهل الدين يحرم على الإنسان المرح والضحك؟
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الشيخ عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الإفتاء بالأزهر الشريف فى الجزء السادس من موسوعة "أحسن الكلام فى الفتاوى والأحكام" فيقول فضيلته:
الأديان بوجه عام لا تحارب الغرائز لتقض عليها، فهى ضرورية لحياة الإنسان تساعده على تحقيق خلافته فى الأرض، ولذلك خلق لآدم حواء ليسكن إليها وجعل بينه وبينها مودة ورحمة، ولكونه مخلوقا من خليط من العناصر أمكنه أن يتكيف مع الأرض التى خلق منها، ويتقلب مع الحياة بحلوها ومرها.
اقرأ ايضا: حكم الشرع فى تطليق الزوجة في مرض الموت
ومهمة الأديان هى ترويض هذه الغرائز وتوجيه قوتها إلى الخير بقدر المستطاع، والإنسان روح وجسد، عقل وغرائز، ولكل منها غذاؤه الذى يعيش به، والأديان أرشدت إلى غذاء كل منها، ووفقت بين مطالبها فى اعتدال وحكمة من أجل إنتاج الخير والبعد عن الشر.
ودين الإسلام كان منهجه أحكم المناهج فى سياسة الغرائز والعمل للدنيا والآخرة على السواء، ونصوصه فى ذلك كثيرة، وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فى هذا المجال يشهد بحيوية هذا الدين وعدم تزمته وإنغلاقه وتبرمه بالدنيا وزهده فى الحياة. ويشهد بقيام الدعوة الدينية على سنن الله الكونية المراعية للفطرة الإنسانية، التى تمل من الجدية والصرامة طول حياتها، وتحتاج إلى الترويح المقبول الذى تغذى به روحها وعاطفتها. وأنواع الترويح كثيرة منبثة فى الكون كله ومتاحة لكل من يريدها.
غير أن الدين وضع لها إطارا تمارس فيه حتى لا يساء إستغلالها، وحتى لا تخرج عن الغرض منها، فأباح الترفيه الذى لا يصادم نصا يمنعه أو حكما مقررا فى الدين لا يتفق معه، والذى لا يترتب عليه تقصير فى واجب، على أن يكون ذلك بقدر حتى لا يصير عادة تغريه بالإنصراف عن الأعمال الجادة . ومما يدل على ذلك :
اقرأ ايضا: حكم الشرع فى لبس البوت على الملابس القصيرة
1 - قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الأعراف: 32، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} المائدة : 87 .
2 - قول صلى الله عليه وسلم لمن إعتزموا الصيام طول الدهر والقيام طول الليل وترك الزواج "أما إنى أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنى أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رضب عن سنتى فليس منى" رواه البخارى ومسلم.
3 - قوله صلى الله عليه وسلم فى حادث سلمان الفارسى وأبى الدرداء "إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل فى حق حقه" رواه البخارى. وفى رواية " ولن لعينيك عليك حقا، وإن لزورك -الضيوف- عليك حقا"، وفى رواية "وإن لولدك عليك حقا".
4 - قوله صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن الربيع الأسيدى، الذى ظن أن تمتعه مع زوجته وأولاده وأمواله نفاق يغاير ما يكون عليه من الجدية عند لقائه عليه الصلاة والسلام "والذى نفسى بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة". ثلاث مرات. رواه مسلم .
5- تسابق صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة كما رواه النسائى وابن ماجة، وشهد معها لعب الحبشة وقال: "حتى تعلم يهود أن فى ديننا فسحة"، وسمع الحداء واعجب به، وتسابق مع بعض الأغراب على ناقته، وشهد الرماة وهم يتبارون بالنبال وشجعهم على ذلك دون انحياز إلى فريق ضد فريق حتى لا يغضبهم .
اقرأ ايضا: حكم الشرع فى زواج المرأة بعد وفاة زوجها
ذلك وامثاله يدل على أن الإسلام لا يحرم اللهو البرئ والتمتع بطيبات الحياة فى المأكل والمشرب والملبس، بل يدعو إليه لتنشيط النفس على العبادة، فإنها تمل كما تمل الأبدان، ما دام ذلك فى اعتدال لا يؤدى إلى تقصير فى واجب.. إن الفهم الصحيح للدين يريح الإنسان ويقيه شر الإنحراف، ويريح الناس منه ويعطى صورة طيبة لهذا الدين الخاتم، تبعد عنه ما يفتريه المفترون..