رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع صديقى الجاهل

رغم أنه لا يستهويني التطرق بشكل مباشر لأي من الموضوعات التي تتعلق بتيارات الإسلام السياسي وجماعات العنف، التي سئم القارئ من غزارة ما نشر عنها خلال السنوات الماضية، إلا أن كم الشائعات التي أطلقتها "الكتائب الإلكترونية" التابعة لتلك الجماعات من الخارج، خلال الأيام الأخيرة، بالفعل تستحق التوقف.

 

فقد تلقيت منذ أيام اتصالا تليفونيا من شخص يعتبر بالفعل "عالما" في أحد التخصصات الحيوية، ويحمل درجة "الدكتوراة" منذ سنوات، إلا أنه يميل للتعاطف مع تيارات الإسلام السياسي، حيث سألني باهتمام: "ما هو موضوع المقبرة الجماعية التي شيدتها الدولة في الفيوم، لاستيعاب العدد الضخم من ضحايا فيروس كورونا؟".

 

فقلت له في دهشة: "مقبرة جماعية؟" قال: نعم.. قلت "والدولة هي من قامت ببنائها؟" قال: نعم.. قلت: "وهل تم هذا في العلن هكذا؟"، قال: نعم، ومحافظ الفيوم هو من قام بنفسه بافتتاح المقبرة.

 

اقرأ أيضا: "كورونا" أمريكاني

 

فقلت ضاحكا: "كيف افتتحها يا دكتور، هل قام بقص الشريط وسط زغاريد واحتفالات وطبول، أم قام بدفن عدد من جثث ضحايا كورونا وسط بكاء وعويل؟".

 

فقال محتدا: "يبدو أنك تسخر، وغير مصدق، كيف لا تعرف مثل هذا الموضوع الهام، وأنت تعمل في الصحافة، أم إنه تم التعتيم عليه مثل كثير من الكوارث التي تحدث في مصر ولا يعلم بها أحد؟".

 

فقلت ضاحكا: "الموضوع طبقا للعقل لا يصدق يا دكتور، وكيف يكون هناك تعتيم، وانت تقول ان المحافظ قام بافتتاح المقبرة بنفسه، أي إن الأمر كان علنا كما ذكرت؟".

 

فقال محتدا: "يبدو أنك لا تدري بما يقوم به النظام للتغطية على كارثة وضحايا كورونا؟".

 

قلت له: "استأذنك، أن تهدأ، وأن نتناول الموضوع بعقلانية".. فقال بعصبية: أنا هادئ.. قلت: جميل، إذا أسمح لي أن أسألك: بالطبع أنت مقتنع بأن النظام قام بتشيد مقبرة جماعية في الفيوم، ويقوم بالتعتيم على الأعداد الضخمة من ضحايا فيروس كورونا؟.. قال: نعم.

 

اقرأ أيضا: الأسعار يا حكومة

 

قلت: "إذا فكم عدد من ماتوا من أقاربك وأصدقائك وجيرانك ومعارفك وبلدياتك من كورونا؟.. "فصمت" فأعدت عليه السؤال مرة أخرى..  فقال بصوت خافت: "مفيش حد".

 

فقلت له: "وأقسم لك بالله، إنني لم أر أو أسمع عن قريب أو صديق أو جار أو حتى معرفة، سقط ضحية لكورونا، وأن كل ما سمعت عنهم مجرد أرقام قليلة أو أسماء لشخصيات تم نشرها في البيانات الرسمية للدولة، فأين إذا الكم الرهيب من ضحايا كورونا الذي يخفيهم النظام.

 

فقال في اندفاع: "إذا كان الأمر كما تقول، فلماذا بني "السيسي" المقبرة الجماعية؟".. فأجبته ضاحكا: "يا دكتور إذا مات قريب لك من كورونا لا قدر الله، هل ستقبل أن يدفن في مقبرة جماعية في الفيوم، أم سيتم دفنه في مقابر العائلة؟".

 

قال: "لا طبعا في مقابر العائلة".. قلت له: "إذا لمن ستبنى الدولة مثل هذه المقبرة، وهى تعلم بعادات وتقاليد وطقوس المصريين، يا سيدي المقابر الجماعية لا يبنيها سوي محتلون أو غزاة، لتغطية على جرائمهم، أما كورونا فهو فيروس أصاب أغلب دول العالم، ولا ذنب لنظام في من أصيبوا أو من سقطوا.

 

قال: "عموما عاوز تصدق صدق، مش عاوز انت حر، والأيام بيننا".. قالت له: "عندى حل بسيط من الممكن يريحك، ويكون فيصل بيننا في هذا الموضوع".

 

اقرأ أيضا: كوارث الأمريكان في العراق

 

قال ماذا؟.. قلت: "ما رأيك لو تقابلنا الآن، ونتصل سويا بمحافظ الفيوم، ونسأله عن موضوع المقبرة؟".

 

قال: "لا طبعا".. قلت: "لماذا".. قال: "لانه سينكر".. قلت ضاحكا: "وكيف سينكر وقد قام بافتتاح المقبرة كما تقول".. قال غاضبا: "انتوا كده يا بتوع الصحافة، لديكم القدرة على تحويل الحق باطل، والباطل حق، على مزاجكم".. ضحكت وقالت: "الله يسمحك"، وانهينا المكالمة دون أن يقتنع، ولن يقتنع.

 

للأسف، هذا نموذج من آلاف النماذج من الحاصلين على كبرى الشهادات العلمية، وينتمون فكريا أو عاطفيا لجماعات ضالة، فلا يستمعون إلا لأكاذيبهم -حتى لو كانت لا تتماشى مع العقل- ويتلقفون ما تروجه كتائبهم الإلكترونية في فرح وشماتة، على الرغم من أن أغلبها لا تحمل سوى كوارث للبلاد، إلا أن هذا للأسف لا يعنيهم، لأن المهم في الموضوع أن تحمل الشائعة تشويها أو كارثة للنظام.

 

ولعل ما يدعو للحزن، أن تلك الشائعات والأكاذيب يتلقفها ويروج لها عن جهل "شخصيات نكرة" لا كينونة لهم سوى على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقومون خلال ثوان، بإعادة نشرها على صفحاتهم -دون التحقق من مصداقيتها- بهدف الظهور في صورة "العالم ببواطن الأمور، أو القريب من صناعة القرار، أو المعارض المغوار" دون دراية بمدى التأثير السلبي على المجتمع.

ادعوا لمصر بالسلامة، فقد أصبح أشد أعدائها من أبنائها.. وكفى.

الجريدة الرسمية