يا أيها الناس.. وليس المسلمين!
سخر أحد الإسرائيلين من المسلمين قائلا: أرجوكم لا تدعوا علي الكفار حتي يبتكروا لكم دواء للقضاء علي فيروس كورونا، وتزامن ذلك مع شعور بالضيق من الأخوة المسيحيين وهم يسمعون الدعاء بأن يشفي الله المسلمين، وكأنها دعوات لإخراجهم من الألطاف الإلهية ومعهم كل الحق في الشعور بالغضب والضيق..
رغم أن {الحمدُ لله رب العالمين}، هي أول آية مِن سورة الفاتحة في القرآن الكريم. ولم يرِد خطابٌ في القرآنِ بلفظِ المسلمين، بل إنّ الخطاب وردَ بلفظِ “المؤمنين” وبلفظ “الناس”، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا …}، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ …} لقد وردَت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} 89 مرّة، وذُكرت {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} عشرون مرة في القرآن الكريم.
اقرأ ايضا: تحديث الخطاب المسيحي أيضا
وتلك مقدمة مهمة لما نسمعُ ونرى ونقرأ لأقوالاً تبتعدُ عن ما ورد. مثل ”اللهم إرحم موتى المسلمين”و”اللهم احفظ بلاد المسلمين”و “اللهم انصِر المسلمين”.. يحدث ذلك علي الرغم من أن القرأن يخاطب الناس جميعهم كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، و{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}.
وكذلك { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
اقرأ ايضا: أضغاث أحلام
والمتأمل في هذه الآيات جميعا يجد أنها تخاطب جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وفاسقهم، تدعوهم إلى التأمل فيما ينفعهم في آخرتهم، وتذكرهم بربوبية الله لهم، وفقرهم إليه سبحانه، كي يكون ذلك دافعا إلى عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، ولما كان المقصود من هذا الخطاب جميع الخلق، ولم يكن محصورا بفئة معينة، ناسب أن يكون بصيغة (يا أيها الناس)، دون النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا).
وقد ذكر بعض العلماء من الفروق بين السور المكية والسور المدنية، أن الخطاب بـ (يا أيها الناس) يكون في السور المكية، والخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) يكون في السور المدنية . فهل الأدوية واللقاحات التي يبتكرها الغرب الكافر، والصين الزنديقة… هي فقط لِسلامةِ المسلمين، وجلّ جلاله هو الذي يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
وتتقدم الفتاوى من البعض للتعامل مع “العالمين”: (فالتعامل مع الكفرة ـ كَبَتَهم الله وكفى المسلمين شرّهم– إذا كان جلباً لمصلحةٍ ظاهرة تعودُ على المسلمين، فلا بأس به إن شاء الله) ومثل هذه المقولات النابعة عن الأمّية الدينية، تُولِد “الفوبيا الإسلامية” أو “الخوف من الإسلام”.
اقرأ ايضا: المعارضة الرشيدة المطلوبة
رغم إن الآية واضحة ناصعة: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، وهل بإقصاء غير المسلمين من هذا الدعاء دعوة غير مباشرة لهلاكهم وحرمانهم من الألطاف الالهية؟ هل الدين في أصوله الجوهرية يوصي بهذا الأمر؟ فكيف لنا أن نزعم التعايش ومحبة البشرية، وخاصة إخواننا في الوطن الواحد الذي نجتمع على أرضه وتحت سمائه؟
هل فكرنا مرة واحدة كيف سيكون شعور المصري غير المسلم حين يسمع بأذنيه هذا الدعاء وأمثاله من الأدعية؟ وكيف بإمكاننا ضمان وحدة وتحصين هذا البلد إذا كُنت أدعو الله بالخير للمسلمين فقط دون غيرهم؟ أليس هذا بتمييز ديني؟ أليس في ذلك تناقض مع جوهر الإيمان وروح الدين؟