رفيق الصبان يكتب: فارسا الزمن الجميل
فى الذكرى السابعة لرحيل النجم الأسمر أحمد زكى، كتب السينارست والناقد الفنى رفيق الصبان ـــ رحل عام 2013 ـــ مقالا حول تزامن رحيل الفنان الأسمر أحمد زكى ـــ 27 مارس 2005 ـــ مع توقيت رحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ـــ 30 مارس 1977 ـــ قال فيه:
مع فارق السنوات.. هل هى لعبة الأقدار أم قاعدة التكامل الفنى التى أرادت أن يتواجد كل من عبد الحليم حافظ وأحمد زكى فى زمن واحد، وأن يرحلا معا وفى وقت متزامن.. عندما أوشك هذا الزمن الجميل على الرحيل ؟!.
أحمد زكى طاقة فنية تمثيلية من طراز فريد.. استطاع بفضل موهبته العملاقة وحسه الفنى الفطرى أن يحطم القواعد السائدة فى عصره.. عن شكل النجم الكبير وحدوده النمطية.. وأن يقلب موازين التمثيل السينمائى رأسا على عقب.
لقد استطاع بعفوية وذكاء وموهبة أن يكسر الخط الأحمر للوسامة الذكورية كما كان يفرضها المنتجون السينمائيون، وأن يفرض شكلا جديدا للممثل لا يعتمد على المظهر الخارجى قدر ما يعتمد على الطاقة الداخلية الهائلة التى تكمن فى النفس الإنسانية والتى تدفع الممثل لأن يكون أولا قبل أن يمثل.
اجتاز أحمد زكى دربا شديد الصعوبة وتوقف أمام جدار صلب مرتفع اعتقد الجميع أنه لن يستطيع اختراقه، ولكن كما تقول الأساطير القديمة استطاع أحمد زكى بمزماره السحرى أن يسقط جدار أريحا وأن ينطلق بالسهل الأخضر الممتد أمامه فارسا وعاشقا ومناضلا وثائرا ورجلًا حقيقيًّا من بيننا.
استطاع أحمد زكى أن يلفظ أنفاسه بعد صدمة إبعاده عن بطولة أولى أمام سعاد حسنى "الكرنك"؛ بحجة أن الجمهور لن يقبل شكله الشعبى الأسمر، ولأنه لا يحمل سمات الممثل الوسيم المعتاد وأنه شديد الشبه بالإنسان المصرى العادى.. كتم أنفاسه اللاهثة ولجم قليلا براكين الغضب المشتعلة فى نفسه لينطلق بعد ذلك عملاقا ثائرا يثبت للجميع أن قوة الممثل الحقيقية لا تكمن فى مظهره قدر ما تكمن فى داخله.. ونجح فى أن يقلب الموازين كلها وأن يصبح فى أقل من عدة سنوات النجم الأول الحقيقى فى مجال السينما.
التحدى نفسه قام به شابٌ أسمر آخر وقف هو أيضا تجاه قوانين الغناء السائدة وكسر الخطوط الحمراء كلها التى اعتاد أمراء الطرب فى مصر أن يضعوها سدا فى وجه كل من يحاول الاقتراب فى هذا الميدان..
أدار ظهره لكل ماهو شائع ومتبع وآمن أن الإحساس الداخلى الحار أهم بكثير من نقاء الصوت وارتفاع مقاماته.. ورغم صدمة الجمهور الأولى فى الأسكندرية ورغم الفشل الجماهيرى المهين الذى لاقاه.. تماما كما حدث مع زميله أحمد زكى قرر التحدى والسير قدما لتحطيم هذا السور العالى من الوهم الذى أحاط بالغناء العربى.
انطلق العندليب الأسمر شأن زميله النسر الأسمر فى سماء الفن المصرى ليقلب القواعد القديمة وليؤسسا قواعد جديدة ويكونا رمزا لزمن جميل من الفن أُرِّخ باسميهما، واكتسى بطابعهما وأصبحا سمة مميزة له.
أحمد زكي: أتمنى تقديم شخصية الشعراوي
لذلك كان من البديهى أن يظهرا معا.. كل فى ميدانه، وكان من المؤلم أن يرحلا معا، وفى شهر واحد.. وكأنهما يخبرانا على طريقتهما بأن الزمن الجميل الذى صنعاه لنا قد انتهت مرحلته.. وأننا مقبلون على زمن آخر لم تتحدد معالمه ولم يتحدد فرسانه.