رئيس التحرير
عصام كامل

الحاجة فاطمة غيرت صورة زوجة الأب في الموروث الشعبي.. 50 عامًا من العطاء لتربية أبناء زوجها في القليوبية

الحاجة فاطمة
الحاجة فاطمة

الحاجة فاطمة علي علي بدوي ذات الـ 76 عاما.. غيرت كل الثوابت عما يعرف عن زوجة الأب وما تحدثه من آثار سلبية لأبناء زوجها واتهامها في كثير من القضايا بالعنف الذي يصل إلى درجة القتل، فكانت أمًا بديلة شديدة الحنان لـ 3 أبناء صغار أعمارهم ما بين الـ 10 والـ 5 سنوات والآن هم تخطوا الـ 60 عاما.. تعلموا وعملوا وتزوجوا وما زالوا يعيشون من بركتها وخيرها.

أيام وليالي عاشتها الحاجة فاطمة.. ترعى وتربي وتعمل في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة ولكنها صلبة وشامخة كالجبال.. منذ أن كانت تلك الفتاة الشابة التي كانت منذ نصف قرن تقريبا.. وتحديدا عام ١٩٧٦.. بشارع سعد زغلول بحى عرب شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.

 فتاة جميلة يتمناها أي شاب وتقدم  لخطبتها خليل إبراهيم.. الذي يعمل مبيض محارة والذي توفيت زوجته الشابة.. تاركة وراءها 3 أطفال وهم: بكر 12 عاما ومصطفى 10 أعوام وماجدة  5 سنوات.. بعد أن رفضت معظم فتيات الحي الزواج منه منذ أن توفيت زوجته  خوفا من تحمل مسئولية أبنائه.. ولكن فاطمة قبلت الزواج ابتغاء وجه الله.. ووافقت على خدمة الأطفال الصغار وحمايتهم.

لم يشعر الأطفال الثلاثة بفقدان أمهم.. فعلمتهم وربتهم.. ولم تبخل عليهم بالرغم من إنجابها 4 أبناء آخرين من زوجها.. ولكن عاش الأبناء السبعة في كنف الأم الحنون دون أن تفرق بينهم..

حتى عندما ضاقت الدنيا بالأب وأراد تحسين مستواه المعيشي ليتمكن من الإنفاق على الأبناء.. سافر إلى ليبيا وترك تلك السيدة البارة على مدار سنوات طويلة تتحمل مسئولية الأبناء بالكامل في التعليم والصحة والطعام.. وكل شيء.  

 

 يروي مصطفى خليل صاحب الـ 59 عاما، الابن الأوسط لزوجها أن والدته توفيت وهو لم يتجاوز 10 سنوات تقريبا.. كانت الوالدة 24 عاما.. لا يكاد يتذكر ملامحها إلا قليلا.. ووقتها كان بالصف السادس الابتدائي.. وعندما تزوج والده الحاجة فاطمة اكتشفت أنه يمر بظروف نفسية صعبة ويتعثر في الدراسة فظلت وراءه تشجعه وتحنو عليه.. إلى أن تخرج في كلية التجارة.. والآن يعمل مديرًا عامًّا بمجلس مدينة شبرا الخيمة .

 

ويضيف مصطفى أنها فعلت كل شيء لأجلهم.. ولا ينسى وهو صغير عندما أصابته وعكة صحية حادة.. واختلط الأمر على الأطباء.. فكانت تحمله على عربة كارو حيث لا توجد مواصلات وتذهب به إلى المستشفى.. إلى أن شخَّص الطبيب حالته بأنه يعاني من "التهاب الزائدة الدودية".. وأجرى جراحة الاستئصال.. وعلى مدار 17 عاما كانت تسهر معه وتتابعه ولم تنقطع عنه يوما .

وأشار مصطفى إلى أن لديها 21 حفيدًا، منهم 10 من أبناء زوجها و11 من أبنائها.. وقد ربت الأحفاد لشقيقته ماجدة والتي تعمل موظفة بالبريد.. وما زالت تقدم الخدمات لمن حولها، وخيرها على الجميع.. وهي صاحبة الكلمة الأولى والرأي لهم.. بعد أن ساعدته ليتم تعليمه هو وشقيقه الأكبر بكر الذي كان عمره 11 عاما والآن 60 عاما ويعمل مدرسًا ولديه 4 أبناء. 

وأوضح مصطفى أنهم كانوا ومازالوا لا يسعهم سوى حضنها الذي لم يرفضهم أو يقسو عليهم يوما وكانوا يلجأون إليها وهم أطفال يختبئون إذا ارتكبوا خطأ والآن يلجأون إليها ليلقوا عندها أحزانهم .

 

كانت ومازالت اقتصادية بشوشة حنونًا تجمع حولها الأحفاد والأبناء.. فلم يشعروا بوفاة والدتهم منذ ما يقرب من نصف قرن.. ولا غياب الأب وسفره بحثا عن لقمة العيش.. وعندما تُوفي وتركهم في عام 2009 كانت وما زالت هي الوطن الذي يحوي الجميع ويحافظ عليهم .

 

ندعو لها صباحًا ومساءً في كل وقت بأن يرزقها الله الجنة ويجازيها عما فعلته معهم من زرع للحب والبر.. هكذا يردد أبناء زوجها فلم تترك أيًّا من أبناء زوجها إلا وراعته وساعدته على التعليم.. رغم أنها غير متعلمة وساعدته على إيجاد فرصة عمل وربت الأبناء.. فهي قطعة من الجنة وما زالت تعين شقيقتها الكبرى التي تسكن بالقرب منها وتوفي زوجها وليس لديها أبناء وتذهب بين الحين والأخرى لخدمتها وتلبية طلباتها.

الجريدة الرسمية