كورونا مش الأصعب.. كيف تعامل المصريين أيام "الشدة المستنصرية"
لم يكن يتخيل أسوء المتشائمين أن تتمخض السنة الجديدة 2020، وتلد فيروس كورونا الذي يهدد البشرية، بسبب سرعة انتشاره وعجز الطب، عن إيجاد علاج له حتى الآن.
واتخذت الحكومة المصرية العديد من الإجراءات الاحترازية، لمنع تفشي فيروس كورونا، غير أن المتتبع يجد أن التاريخ المصري مر به أيام وأوقات أكثر صعوبة وقسوة على المصريين من تبعات فيروس كورونا المستجد.
وتعتبر أصعب تلك المحن ما سمي ب"الشدة المستنصرية"، والتي وقعت خلال حكم الدولة الفاطمية لمصر، وتحديدا في عهد الخليفة المستنصر بالله، حيث تطلق على المجاعة التي حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف، في بداية النصف الثاني من القرن الخامس الهجري.
ويحكي المؤرخون عن تلك الفترة مؤكدين تصحر الأرض الزراعية وهلاك الحرث والنسل، وأكل الناس القطط والكلاب، كما أن الخليفة المستنصر نفسه باع كل ما يملك في القصر، حتى بيع من المتاع ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وعشرون ألف سيف محلي، حتى الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان، ولم يبق له إلا حصيرة يجلس عليها وبغلة يركبها وغلام واحد يخدمه.
ويقول تقي الدين المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة" عن الشدة المستنصرية: "أكل الناس القطط والكلاب بل تزايد الحال فأكل الناس بعضهم بعضا، وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها وعليهم سلب وحبال فيها كلاليب فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوا".
وعن تلك المجاعة أيضا أضاف "المقريزي" في كتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء"، قائلا:"ظهر الغلاء بمصر واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال وكثرة الفساد وأكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به".
وتابع:"بيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط وبلغت رواية الماء دينارا وبيع دار ثمنها تسعمائة دينار بتسعين دينارا اشترى بها دون تليس دقيق وعم مع الغلاء وباء شديد وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد فانقطعت الطرقات براً وبحراً إلا بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف والطرق في النداء: خراج، خراج، فبلغ أربعة عشر درهما وبيع إردب قمح بثمانين ديناراً، ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير".