إعلان توبة

فيروس متناهي الصغر شل حركة العالم، وأعاد التأكيد على رسم الحدود، وأمام جبروته الذي جعل الجميع أمامه سواء.. فرضت كل دولة على نفسها العزلة، بل فرضتها كل أسرة، وصار منا من يفر من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه..

بدأت الذاكرة تستدعي ما مضى، وتنشغل بما هو آت، وكثر الاستغفار في المساجد والكنائس وعلى مواقع التواصل الإجتماعي وكأن قيامتنا قامت، وننتظر الحساب.

قيامتنا لم تقم بعد، وكورونا سوف يذهب كما ذهب سابقيه، وإن كان مؤامرة أو وباء أفرزته الطبيعة فسوف تكشف الأيام عن أسبابه، المهم أن كبريات الدول بحكامها انحنت أمامه، ولمحاربته.. انقسم العالم إلى قسمين، الأول لجأ إلى العلم، والثاني الذي لا حيلة له لجأ إلى الله بالدعاء، ونحن العرب -أصحاب الثروات- لجأنا إلى الدعاء.

اقرأ أيضا: الأخطر من الإرهاب

القيامة لم تقم بعد، لكن.. تعالوا نعلن توبتنا، ونجعل من كورونا جرس إنذار، أو تاريخاً مفصلياً، يختلف ما قبله عن كل ما يأتي بعده، وهذا يحتم علينا إعادة النظر في واجبنا تجاه أنفسنا، ثم واجبنا تجاه الوطن الذي يأوينا، ولتكن البداية من الأزمة التي نعيشها، والتي لم تغير من البعض شيئاً..

فوجدنا من يستثمرونها، ويتاجرون بها، فقد وصل جشع التجار، وسلبية المواطن، إلى زيادة سعر بعض السلع إلى عشرة أضعافها، والكمامات التي كانت تباع بالجملة بيعت بالواحدة، وبسعر فلكي، والكحول أصبح سلعة نادرة، أما المنظفات فحدث ولا حرج، سلوكيات علينا تغييرها، فإن لم نستطع فقبضة الدولة الحديدية كفيلة بها.

تعالوا نطبق القانون على الجميع، على تاجر اعتاد مص دماء المواطن ووجد من يحميه.. وآخر يجلس بفرش على الرصيف وتطارده البلدية، على متجر يتلاعب بالأسعار لأنه ملك لفلان.. وبائع متجول في شوارع المدينة. وعلى صيدلية تحصن صاحبها بصداقة من يحميه، وأخرى يخضع صاحبها لسيف القانون.

اقرأ أيضا: أصحاب القلوب الحمراء

فليكن كورونا بداية للتركيز أكثر على البحث العلمي، فمصر صاحبة أقدم مدرسة للطب.. تستحق ألا تجلس في مقاعد من ينتظرون الفرج من دول اهتمت بالبحث العلمي وخصصت له ميزانيات ضخمة، وإذا كانت موازنتنا لا تسمح.. فمن قوت يومنا نمول كل ما يتعلق بالعلم، لأنه السيد في السلم والحرب..

أما وضع الأطباء.. فيقيني أنه إلى التحسن، والبوادر ظهرت أمس عندما وضعت الدولة المضارين من الأزمة نصب عينيها، فطوعت اقتصادها لخدمتهم واتخذت العديد من القرارات التي تصب في مصلحتهم.

فليكن كورونا جرس إنذار لنا جميعاً لنودع قضايا استهلكنا، ففي الوقت الذي يتصارع فيه العالم على علم ينفع..انشغلنا نحن بأي قدم ندخل دورة المياه، وبحرمة فردة الحذاء إذا انقلبت على وجهها، وبشرعية أو حرمة تهنئة الأشقاء المسيحيين في أعيادهم، وبتكفير هذا والإفتاء بقتل ذاك، والدعاء على الغرب الكافر..

مناخ تم تصديره لنا ليجد فيه الإرهاب ضالته، فكانت النتيجة سقوط شهداء من زهرة شبابنا أقسموا على حماية حدود الوطن من عناصر صوبت نيرانها تجاه صدورنا، وأعطت ظهرها لمن اعتقدناه عدو لها.

اقرأ أيضا: ارحمونا من أردوغان

فليكن كورونا تاريخاً يفصلنا عن نفاق وتدليس وغش وكذب جعل قبح الجهالة في الصدارة، وتجاهل ما من شأنه الدفع بنا إلى الأمام.

فليكن كورونا بداية لنتشارك جميعاً، فلا راع مهموم وحده عن الرعية، ولا رعية  اعتادت السلبية، فالجميع شركاء في المسئولية، وبناء عليه.. كلنا مسئولون عن نظافة الشوارع والمؤسسات، وعن محاربة جشع التجار حتى لو احتموا بمن يرونهم كباراً، وعن التصدي للإرهاب بكل ألوانه، وعن تشجيع كل ما يعلي من شأن العلم، وتجاهل كل ما يشغلنا عن حماية مستقبلنا، وأن نتبادل الثقة في بعضنا البعض خاصة إذا كان الهدف واحداً وهو وطن تغير فكر أبنائه بعد جائحة فيروس اسمه كورونا.

besheerhassan7@gmail.com