رئيس التحرير
عصام كامل

جنوب السودان "فرحة لم تكتمل".. جوبا تحتفل بالذكرى الثانية لاستفتاء الاستقلال.. أزمة النفط مع الخرطوم ترفع نسبة التضخم إلى 120%.. 73% نسبة الأمية والصليب الأحمر تندد بانتشار الأمراض

جانب من أحتفالات
جانب من أحتفالات جوبا

تحل اليوم الأربعاء الذكرى الثانية لاستفتاء جنوب السودان الذى أيد انفصال الجنوب عن الشمال، وأسفر عنه ميلاد أحدث دولة فى القارة الأفريقية والعالم، وهى دولة جنوب السودان.


وتم هذا الاستفتاء بموجب اتفاق نيفاشا للسلام الموقع عام 2005، والذى أنهى عقودا طويلة من الحرب بين شمال السودان وجنوبه، ونص على إجراء ذلك الاستفتاء في التاسع من يناير 2011 ليختار الجنوبيون إما الاستمرار في الوحدة مع الشمال أو الانفصال.

وصوت فى هذا الاستفتاء أكثر من 98% من الجنوبيين لصالح الانفصال الذي كان بمثابة حلم جنوبي تحقق بعد انتظار طويل، وحصلت الدولة بالفعل على استقلالها رسمياً فى التاسع من يوليو 2011.

وبعد مرور عامين على ذلك الاستفتاء المصيرى، لم تنجح الدولة الوليدة فى تحقيق أى من طموحات الجنوبيين التى كانوا يتطلعون إليها من خلال الحصول على الاستقلال.

فالمشهد الجنوبي يبدو ملبدا بالغيوم نتيجة تفاقم أزمات الدولة الوليدة بصورة متواصلة، مما أثر بشكل سلبى على عملية ترقية الدولة وتنميتها، وأعاق الحكومة عن تحقيق إنجازات تعزز من استقلال دولة الجنوب وتدعم موقفها على الساحة الإقليمية والدولية.

وتأتى قضية النفط لتكون على رأس الأزمات التي واجهتها دولة جنوب السودان منذ الاستقلال، حيث اختلفت حكومة جوبا مع حكومة الخرطوم حول تحديد رسوم عبور نفط الجنوب عبر السودان، وهو الأمر الذي دفع بالجنوب باتخاذ قراراً كارثياً فى يناير الماضى، وهو وقف إنتاج النفط الذى يمثل الركيزة الأساسية لاقتصاد الجنوب، وبالتالى فإن إيقافه يمثل انتكاسة كبرى للاقتصاد الجنوبى؛ لأنه حرم جوبا من 98% من إيراداتها وأغلق المصدر الوحيد المتاح للسيولة النقدية.

وأدت هذه الخطوة إلى تزايد حدة التوتر مع دولة السودان والتى تأثر اقتصادها أيضا بقرار وقف إنتاج النفط، ووصل الأمر إلى حد الاقتتال بعد دخول الجيش الشعبى إلى مدينة هجليلج، الواقعة على الحدود بين البلدين والغنية بالنفط، في أبريل الماضي وسيطرته عليها.

وبدأت شرارة الحرب تلوح فى الأفق بعد دخول قوات الجيش السودانى إلى المدينة لتحريرها من سيطرة الجيش الشعبي وهو ما أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الدامية التي استمرت عقودا طويلا بين الشمال والجنوب وراح ضحيتها ملايين الضحايا.

ولكن سرعان ما تم احتواء الأزمة وانسحب الجيش الجنوبي غير أن هذا الوضع قد أدى إلى إغلاق الحدود بين الدولتين مما أثر سلبيا على الاقتصاد النامي في جنوب السودان الذي أصبح يواجه أزمة خطيرة تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع الغذائية والوقود إلى مستويات غير مسبوقة تصل إلى 120% .

كما ارتفعت معدلات الفقر وزادت نسبة البطالة خاصة في ظل التدفق المستمر لللاجئين العائدين إلى الجنوب، وهو ما أدى بدوره إلى وضع حكومة جوبا موازنة تقشفية للعام يوليو 2012 إلى يونيو 2013.

وكانت إحدى التداعيات السلبية لتلك الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تواجه الجنوب، خفض الإنفاق المخصص على البنية التحتية والحيوية كالطرق الجديدة والمدارس والرعاية الصحية وشبكات المياه، فدولة جنوب السودان توجد بها واحدة من أسوأ الإحصائيات على مستوى العالم، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، حيث تعاني عدم توافر الخدمات الضرورية للمواطنين بالأرياف والقرى البعيدة ومعظم الولايات الجنوبية عدا العاصمة جوبا التي تتمتع بقدر وفير من الخدمات الأساسية مقارنة ببقية أنحاء دولة الجنوب.

وتبلغ نسبة الأمية بين البالغين في الجنوب نحو 73%، بينما لا تتجاوز نسبة الالتحاق بالمدارس الثانوية 6%، كما أن هناك نقصا واضحا في الكفاءات البشرية والمحترفين ذوي الخبرة.

وتواجه دولة الجنوب الوليدة أزمة إنسانية لا تقل ضراوة عن أزمتها الاقتصادية حيث ذكرت منظمة الإغاثة الخيرية البريطانية (أوكسفام) أن جنوب السودان يواجه أسوأ أزمة إنسانية منذ اتفاق نيفاشا عام 2005، بسبب الانهيار الاقتصادي الحاد والصراعات المستمرة، فهناك نحو 7. 4 ملايين نسمة، وهو ما يفوق نصف عدد السكان بجنوب السودان، ليس لديهم ما يكفى من الطعام أو يتعرضون لأزمة غذاء حادة وشيكة.

كما نددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالصعوبات في تأمين العلاج في الجنوب وانتشار الأمراض هناك.

ويظل عدم حسم القضايا الخلافية بين دولتي السودان سببا في تأجيج الصراع بينهما بشكل دائم. فاتفاق نيفاشا للسلام، الذي تم بموجبه انفصال الجنوب عام 2011، لم يقدم حلولا حاسمة للعديد من الملفات كالملف الأمني، وترسيم الحدود، وتبعية منطقة أبيي إلى جانب النفط الذي أشعل فتيل الأزمة بين الطرفين.

وبعد عقد عدة جولات من التفاوض برعاية الاتحاد الأفريقي تمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق أديس أبابا في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي الذي شمل عدة اتفاقيات متعلقة باستئناف تصدير النفط عبر الشمال واتفاقات متعلقة بالاقتصاد والتجارة الحدودية، إضافة إلى الترتيبات الأمنية التي تشمل المناطق منزوعة السلاح واتفاق الحريات الأربع.

غير أن أيا من هذه الاتفاقات لم يدخل حيز التنفيذ حتى اليوم وهو ما أدى إلى عقد قمة بين الرئيسين السوداني عمر البشير والجنوبي سيلفا كير ميارديت، في الرابع من يناير الجاري برعاية الوسيط الأفريقي، للبحث في سبل تنفيذ اتفاق التعاون المشترك.

وتم الاتفاق خلال القمة على تكليف لجنة الوساطة الأفريقية، برئاسة ثابو مبيكي، بمسؤولية إعداد إطار عمل في فترة زمنية محددة من أجل تطبيق هذه الاتفاقات على الأرض.

وبعيدا عن التوتر الذي يخيم على العلاقات بين دولتي السودان، شهدت الدولة الجنوبية العديد من أحداث العنف القبلي الذي أودى بحياة الالاف من الضحايا وأدى إلى نزوح الأهالي.

ومعظم تلك الأحداث كانت ناتجة عن انتشار الأسلحة والانفلات الأمني والتهميش والافتقار إلى التنمية، وكانت تهدف بالأساس إلى الاستيلاء على قطعان الماشية، التي تعد من الأسباب الرئيسية التي تفجر الصراعات بين الجماعات العرقية هناك.

وكان من أبرز أحداث العنف القبلي التي شهدتها الدولة الجنوبية، منذ حصولها على الاستقلال قبل عامين، قيام نحو 700 شاب من قبيلة النوير بالهجوم على قرى تابعة لقبيلة المورلي المنافسة بولاية جونقلي الشرقية في نهاية عام 2011 وبدايات 2012، ونهبهم عشرات الآلاف من رؤوس الماشية واختطاف النساء والأطفال، وهو ما أدى لنزوح مئات الآلاف عن ديارهم ومقتل 612 شخصا،وإشعال فتيل موجة من الهجمات الثأرية التي قتل خلالها 276 شخصا.

وبعد استعراض أهم ملامح المشهد الجنوبي بعد عامين على استفتاء تقرير المصير، يمكن القول إنه بالرغم من الفرحة العارمة التي سادت سكان جنوب السوان عقب حصولهم على الاستقلال وتكوين دولة خاصة بهم غير أن الصعوبات التي تعيشها تلك الدولة الوليدة أفسدت على مواطنيها فرحتهم وجعلتهم يعانون بشكل يومي فالأزمات المستمرة التي تتعرض لها دولة الجنوب تعرقل مسيرة نموها وتعوق من إمكانية إلحاقها بركب الأمم الأخرى.
الجريدة الرسمية