لولا اختلاف الأذواق لبارت الكتب.. اتهامات "العناوين المثيرة والمحتويات التافهة" تطارد إدارة معرض القاهرة للكتاب
“ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئا جديدا، فحتى الكتاب التافه أستفد من قراءته، أنى تعلمت شيئا جديدا هو ما التفاهة وكيف يكتب التافهون؟ وفيما يفكرون؟.. هكذا كان يرى الأديب الراحل عباس محمود العقاد، الجانب المضئ من الكتابة، مؤكدًا أنه دائما تكون هناك استفادة من قراءة أي شيء، حتى وإن كان تفاهًا.
انتقاد
الدورة المنتهية من معرض الكتاب الدولى – ويمكن القول كالعادة- تعرضت للهجوم والانتقاد من بعض الأصوات، وذلك بسبب العناوين المثيرة للجدل، وضعف المحتوى التي وجهها عدد من زائري المعرض لإدارته.
وفى هذا السياق قال الناقد الدكتور صلاح السروي، أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن: معرض القاهرة الدولى للكتاب ليس له شأن في ذلك، فهو يوجه الدعوة لدور النشر غير أنه لا يختار نوعيات الكتب المعروضة فيه، وبالتالى هذا الأمر لا يلام عليه المعرض وإدارته، بينما تلام عليه دور النشر وتحديدًا التي ترفع شعارات من نوعية «الشباك عاوز كده» أو «الناس عايزة كده»، ولهذا تلجأ إلى إصدار المؤلفات ذات العناوين المثيرة للجدل ضعيفة المحتوى.
وأوضح «د.السروي»، أن «الناشر مستثمر في الأصل يبحث عن الربح، والمسئول عن انتشار هذه الظاهرة هو الحياة الثقافية التي ترعى أذواق القراء والمتلقين على نحو يميل إلى السطحية، بما يجعل الكتاب الدسم ذا القيمة الرفيعة من الناحية الفكرية لا رواج ولا سوق له، ولهذا أرى أن الوضع يحتاج إلى وقفة من العاملين على الحقل الثقافى والتربوي بشكل عام، وليس إدارة معرض القاهرة للكتاب».
كما أكد أنه «ليس هناك كتاب أو فكرة تافهة، ولكن هناك ألوانا من الثقافة منها ما هو إستراتيجي عميق فكرى فلسفي يحتاج إلى عقلية مدربة ويحتاج إلى ذوق مرهف وخبرة معرفية ومنها ما هو يومى، فمثلا كتب الطبخ والمغامرات البوليسية والغرائبية في مجملها كتب تسلية وليست كتب تربية فكرية وثقل معرفى، وهنا الفارق المهم، ومن هنا نحاكم الحياة الثقافية بأكملها من حيث درجة رواج مثل هذه الكتب على حساب كتب أخرى قد تكون أعمق وأكثر أهمية لتربية العقل والوعى».
الإنتاج الأدبي
وأشاد «د.السروي»، بزخم الإنتاج الأدبى الشبابي، قائلا: هذه ظاهرة طبيعية بل وإيجابية، فهذه الكتب حلت محل سلاسل كانت تصدر قديما مثل كتاب الجيب كروايات عبير ورجل المستحيل التي كانت توجه للنشء وفيها هذا الجانب الغرائبي الرومانسي والمغامرة، التي تستهوي هذه المرحلة العمرية وتتوافق مع متطلباتها العقلية والنفسية»، مشيرًا إلى أنه لم يتصور أن الشباب الذي استهلكته وسائل الاتصال الحديثة والألعاب الإلكترونية يمكن استعادته نحو القراءة مرة أخرى.، وفى كل العالم كله يكون «البيست سيلر» للكتب العامية التي تخاطب المستوى الثقافي البسيط، وليس لكتب المدفعية الثقيلة التي تمثل ركائز المعرفة.
من ناحية أخرى، رد الناقد الدكتور حمدى النورج، أستاذ النقد الأدبي بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، على الاتهامات التي وجهت لمعرض الكتاب بكونه يصدر للقراء أعمالا «تافهة» بقوله: لدينا إصدارات الهيئة العامة للكتاب وإصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة، وإصدارات دور النشر الخاصة التي تقدم منتجا أدبيا وفكرىا، وإصدارات دور النشر عربية سواء من الإمارات والمغرب وتونس وسوريا والسودان وغير ذلك.
وحتى دولة ضيف الشرف السنغال تعرض إصدارات هامة في شتى فنون المعرفة، ومعرض القاهرة للكتاب سوق واسعة لرواج حركة النشر يعرض كل الأذواق، فالناس جميعا ليسوا على مستوى واحد من الثقافة، وكلٌ يبحث عن ذائقته واهتماماته القرائية فهناك من يحب الأدب البوليسي والرومانسي، وهناك من يهتم بالعلوم والتاريخ والجغرافيا على سبيل المثال.
وأوضح «النورج»، أن «النظر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بكونه يبنى على حركة بيع وشراء الكتب فقط، هى نظرة ظالمة لتلك التظاهرة الثقافية الفنية، لأنه يهتم بالطفل والناشئة والموسيقى والسينما والمسرح»، مشيرا إلى أن التقاء المبدعين والمفكرين العرب والأجانب بعضهم ببعض، أو بالجمهور وجها لوجه، يولد حركة احتكاك ثقافي بين التيارات الفكرية والتكوينات الأيديولوجية المختلفة، وهذا ما نحتاجه الآن.
واتفق «النورج»، على أن الإقبال على الكتب ذي الأفكار البسيطة ظاهرة صحية، وانتشار الكتاب الفانتازي وأدب الخيال العلمي والجريمة والعجائب، هي فكرة يتحرك نحوها العالم كله وليست مصر والعالم العربي، فـ«الكتاب الذي يعرض مستوى فكرى معين دائما يكون قراؤه قليلون والأخرى تحقق رواجا أكثر، ومعروف أن سينما الخيال العلمى والجريمة هي من تحقق أعلى إيرادات دون الأخرى».
نقلًا عن العدد الورقي...،